تقضي قواعد العدالة بأن أثر الدعوى نسبي. بمعنى أنه لا يستفيد منها سوى الذي رفعها، ولا يمكن أن تلحق ضررا بالغير الذين ليسوا طرفا فيها.
لذلك فإن المصلحة قد تقتضي توسيع نطاق الخصومة سواء بقبول شخص ثالث فيها بعد رفعها عن طريق ما يسمى بالتدخل الاختياري، أو بإدخال شخص ثالث فيها إما لوجود علاقة ما تربطه بالدعوى المرفوعة أو لأن مصلحة العدالة تقتضي اختصامه فيها، وهذا ما يعبر عنه بالتدخل الإجباري أو اختصام الغير، ويدرس موضوع التدخل والإدخال أو اختصام الغير تحت عنوان الطلبات العارضة التي يصح تقديمها بعد رفع الدعوى، إلا أنها تتمتع بصفات خاصة، لذلك آثرنا إفراد بحث مستقل بها، ولهذا، سوف نعرض هذا البحث في المطلبين الآتيين:
التدخل الاختياري في الدعوى
أجاز المشرع لكل ذي مصلحة أن يتخل في الدعوى إما طالبا الحكم لنفسه فيها بطلب مرتبط بها، أو بطلب الانضمام إلى أحد الخصوم فيها.
إذ يشترط لطلب التدخل، إما الانضمام لأحد الخصوم للمحافظة على حقوقه عن طريق مساعدته، كالمتدخل ضد الدائن، ليعين المدين على الدفاع عن حقوقه، حتى لا يخسر المدين القضية، ويتأثر بذلك الضمان العام المقرر له، وهو التدخل الانضمامي، أو أن يطلب المتدخل بحق لنفسه مرتبط بالدعوى، ويطلب الحكم به في مواجهة الطرفين.
كتدخل صاحب اليد في دعوى استرداد الحيازة، أو المشتري في دعوى استحقاق العين، وهو التدخل الخصامي، وهذا يعني البحث في أنواع التدخل وإجراءاته، ومن ثم بيان الآثار المترتبة عليه على النحو الآتي:
أولا- أنواع التدخل :
تعد إجازة التدخل في دعوى مرفوعة من قبل المشرع وسيلة لتجنب خصومات أخرى لإمكانية نشوء نزاعات متفرعة عن المعروض فيها، لوجود رابطة بين هذا ومسائل أخرى يمكن أن تتصل به برابطة لا تقبل التجزئة، أو لأن مراكز قانونية نشأت أو ترتبت بعد نشوء الحق المطالب به في الدعوى المنظورة، وعلى ذلك فإن التدخل يمكن أن يكون هجومية أو مستقلا، ويمكن أن يكون انضمامية أو تبعية لأحد الخصوم في الدعوى، وعلى هذا سوف نعرض لنوعي التدخل وفق الآتي:
1- التدخل الاستقلالي أو الأصلي أو الهجومي:
يقوم التدخل الاستقلالي أو الهجومي أو الأصلي على أساس أن المتدخل يطلب الحكم لنفسه، دون أن يتبنى أي من طلبات المدعي أو دفوع المدعى عليه، بل يطالب بالحكم له بالحق موضوع الدعوى أو بحق متفرع عنه بوصفه ذي مركز مستقل في الخصومة.
كما لو طالب المشتري الأول بتثبيت ملكية عقار اشتراه المدعي في الدعوى الذي قام وسبق بوضع إشارة الدعوى على صحيفته في السجل العقاري، بالاستناد إلى أنه الأولى بالحماية لأن المشتري الثاني سيئ النية،
أو التدخل في دعوى منظورة بمادة تعويض عن فعل ضار للمطالبة بالتعويض عن الضار اللاحق به من الفعل الضار ذاته، أو أنه تدخل في دعوى مرفوعة بمادة تثبيت عقد بيع كي يطالب ببطلان العقد لأن له مصلحة مرتبطة بالعقد ذاته.
فالمتدخل في هذا النوع يهاجم طرفي الخصومة فيها مدعية الحق لنفسه، ويعد هذا التدخل اختصامية أيضا لأنه المتدخل يخاصم كل من المدعي والمدعى عليه لأن يطالب بالحق لنفسه بمواجهتهما.
2- التدخل الانضمامي أو التبعي:
يقتصر التدخل الانضمامي أو التبعي على انضمام طرف ثالث غير ممثل في الدعوى إلى أحد طرفيها دون أن يطالب المتدخل بحق أو بمركز قانوني لنفسه، فهو يهدف من تدخله دعم أو تأييد طلبات المدعي أو دفوع المدعى عليه لذلك يسمى بالتدخل التبعي أو الدفاعي،
وقد يقصد المتدخل من تدخله الاحتفاظ بحق أو الإبقاء على مركز قانونی تحصل عيه من أحد الطرفين، أو للحفاظ على أموال مدینه باعتبارها تشكل ضمانة عامة للوفاء بديونه،كما لو تدخل الضامن إلى جانب المضمون ليساعده في كسب الدعوى كي يتجنب تحمل الخسارة والرجوع عليه بالدين المضمون،
وكذلك تدخل البائع إلى جانب المشتري في نزاع يتعلق بالمبيع بين المشتري وشخص أخر كي لا يعود المشتري على البائع في حال استحقاق المبيع كلاً أو جزءاً،
وعلى هذا، لا يجوز للمتدخل المنضم لأحد الأطراف أن يتقدم بطلبات تغاير طلبات الخصم الذي تدخل لتأييده، وذلك تقتصر وظيفة المحكمة في تدخل الانضمام على الفصل في موضوع الدعوى الأصلي،
كما لا يحق لطالب التدخل المنضم لأحد الأطراف أن يطالب بطلبات جديدة في الاستئناف تخالف الطلبات التي طالب بها من انضم إليه، وإذا كانت الدعوى في الأصل مفتقرة إلى الصفة والمصلحة والدليل، فإنها تكون غير صحيحة. ولا يصححها تدخل من أخر إلى جانب المدعي.
ثانيا- إجراءات وشروط التدخل:
يقدم طلب التدخل باستدعاء يبلغ للخصوم قبل موعد الجلسة، ولا يقبل التدخل بعد إقفال باب المرافعة، ولكن إذا فتح باب المرافعة جاز التدخل فيه، وكذلك الأمر إذا أعيد الحكم منقوضأ من محكمة النقض، لأنه يجوز التدخل في الدعوى لأول مرة أمام محكمة الاستئناف مادام من حق المتدخل التقدم باعتراض الغير وفق أحكام المادة (239) أصول،
وإن وجود دعوى استحقاق على المتدخل لا يحجب عنه حق التدخل دفاعا عن مصالحه.
إلا أن عدم استئناف المتدخل الحكم الصادر برد تدخله شكلاً أو موضوعاً إنما يمنعه من التدخل من جديد في الاستئناف المرفوع في الدعوى الأصلية.
ذلك أنه يجب على المتدخل وقد مثل طرفة في الخصومة التي فصل فيها الحكم الابتدائي ولو متدخلاً تدخل انضمام أن يسلك سبيل الطعن في ذلك الحكم، وإن طلب التدخل المقدم بموجب مذكرة ودون أداء رسم الطابع ورسم القيد باطل لأن المتدخل يعد مدعية، وقانون الرسوم والتأمينات لا يجيز قيد الدعوى قبل دفع الرسم والصاق الطوابع القانونية،
ويكفي للمتدخل أن تتوافر لديه المصلحة الواجبة لرفع دعوى مستقلة في الحق الذي يطالب الحكم له به سواء كان هذا الحق محل الدعوى الأصلية أو مرتبطة به، أي لا يشترط أن يكون الحق الذي يدعيه المتدخل هو نفس الحق محل، وإنما يكفي وجود ارتباط بين الطلبين يبرر عرضهما على نفس المحكمة،
كما يكفي للمتدخل أن يكون الحق الذي يدعي به مرتبط بموضوع الدعوى الأصلية القائمة بين طرفي الخصومة ويشكل جزء من ذات الموضوع المعروض على المحكمة.
ثالثا- آثار التدخل:
يقضي المبدأ القانوني أنه لا يترتب على طلب التدخل بنوعيه إرجاء الحكم في الدعوى الأصلية متى توافرت أسباب الحكم فيها، وأنه يجب تحكم المحكمة على وجه السرعة في كل نزاع يتعلق بقبول طلب التدخل شکلاً،
كما تحكم المحكمة في موضوع طلب التدخل في مع الدعوى الأصلية ما لم تر ضرورة التفريق بينها، وعلى هذا فإنه وإن كان لا يترتب على الطلبات العارضة أو التدخل أرجاء الحكم في الدعوى الأصلية متى توفرت أسباب الحكم فيها وإن للمحكمة التفريق بين الطلبات العارضة، أو طلبات التدخل، وبين طلبات الدعوى الأصلية بمقتضى المادة (162) من قانون أصول المحاكمات،
إلا أن هذا التفريق أو الفصل في الدعوى الأصلية لا يستدعي رد الدعوى المتقابلة المدفوع عنها الرسوم شكلا لمجرد جاهزية الدعوى الأصلية للحكم، إذا لم يكن ثمة مانع قانوني أو شكلي يحول دون قبول الدعوى الأصلية أو طلب التدخل.