من المفيد التذكير أنه قد دخل إلى التعامل حديثا عبارة “الحقوق المتعلقة بحق المؤلف” ويقصد بها الحقوق المجاورة لحق المؤلف.
سوف نستعمل في هذه الوحدة عبارة الحقوق المجاورة وهي العبارة المستعملة في وثائق الويبو.
ابدأ بقراءة السؤال والجواب التاليين:
سؤال رقم 1:
أيمكنك أن تعرف مرة أخرى مفهوم الحقوق المجاورة لحق المؤلف؟
تختلف الحقوق المجاورة عن حق المؤلف وإن كانت تنطوي على حقوق مشابهة له لأنها مشتقة أصلا من مصنف محمي بموجب حق المؤلف. وهذا ما يفسر الاتصال الوثيق بينهما. ولا تتناول الحقوق المجاورة المصنفات ذاتها بل تتناول الوسطاء في عملية نقل هذه المصنفات إلى الجمهور وهي تمنح هؤلاء الحقوق الاستئثارية ذاتها التي يمنحها حق المؤلف.
فلنأخذ مثلا أغنية محمية بموجب حق المؤلف: إذا افترضنا أن هذه الأغنية مبتكرة، فإن مؤلفها وملحنها سيتمتعان بالحماية التي يمنحها حق المؤلف، وعندما يعرضان هذه الأغنية على مغن ليؤديها فإن هذا الأخير بدوره سيتمتع بنوع آخر من الحماية.
ولنفترض أن المغني أراد تسجيل هذه الأغنية أو بثها فعندئذ سيلجأ إلى شركة أخرى، وهذه الشركة ستتأكد بدورها من أنها ستحصل على الحماية قبل أن تبادر إلى الاتفاق مع المغني. ومن هنا يتبين أن أول فئة من الحقوق المجاورة هي حقوق فناني الأداء (كالمغنين والموسيقيين والراقصين والممثلين.. وغيرهم ) في أدائهم.
أما الفئة الثانية من المستفيدين فهم منتجو الفونغرامات ، أو بعبارات أدق، منتجو التسجيلات الصوتية سواء أكان التسجيل على الكاسيتات أو على الأقراص المدمجة أو تسجيلا رقميا).
والحماية بموجب هذا النوع لها طابع تجاري أكثر من غيرها لأن تنفيذ تسجيل صوتي جيد يتطلب استثمارا كبيرا وتستوجب حمايته اهتماما أكبر من ذاك الذي يبذل لحماية الطابع الفني في عملية تأليف أو تلحين أو أداء أغنية ما.
وحتى في هذه الحالة ، فإن كل ما يرتبط باختيار الآلات الموسيقية وبالتوزيع الموسيقي يفترض ابتكاراً لا تقل حمايته شأناً عن الطابع الاقتصادي.
ويجب ألا ننسى أن منتجي التسجيلات الصوتية هم الضحايا الأساسيون لعمليات القرصنة التي تحول الأموال المخصصة لهم إلى القراصنة تحرمهم من أموال كانت أصلا من نصيبهم.
وتؤثر الخسائر التي يتكبدها هؤلاء بشكل غير مباشر أيضا على فناني الأداء والمؤلفين.
من هنا أهمية حماية منتجي التسجيلات الصوتية كفئة من أصحاب الحقوق المجاورة.
أما الفئة الثالثة التي تستفيد من الحقوق المجاورة فهي هيئات الإذاعة.
وهذه الحقوق تمنح لهم علی أساس مساهمتهم في عملية الابتكار من خلال تنفيذ البرامج.
ولا نتكلم هنا عن مضمون البرامج كالفيلم مثلا، بل على فعل بث الفيلم.
إن قدرة هؤلاء على بث الإشارات، من خلال البث الإذاعي، تعطيهم بعض الحقوق.
وهنا أيضا نجد أن الاستثمار والجهود المبذولة لتجميع وبث البرامج هي ما تغطية الحماية الممنوحة لهذه الفئة من أصحاب الحقوق المجاورة.
في المقطع السابق ذكرنا أن الحقوق المجاورة تختلف عن حق المؤلف ولكنها ترتبط بهذا الحق ارتباطأ وثيقا ” لأنها مشتقة من مصنف محمي بموجب حق المؤلف”.
ولكن في بعض الأحيان ترتبط الحقوق المجاورة بمصنفات ليست محمية بموجب حق المؤلف.
فمثلاً يمكن أداء مقطوعة موسيقية لبيتهوفن على خشبة المسرح ويمكن تسجيلها على قرص مدمج دون اللجوء أي تصريح يذكر.
فبيتهوفن قد توفي سنة ۱۸۲۷ ودخلت كل أعماله في الملك العام وهي الآن لا تتمتع بأية حماية بموجب حق المؤلف.
ولكن، بالنسبة إلى الحفلة الموسيقية أو القرص المدمج المذكورين سابقا فإن المؤدين والشركة التي أنتجت القرص المدمج يتمتعون بالحماية بموجب الحقوق المجاورة على أعمالهم.
فلا يحق لأي شخص أن يسجل الأداء العلني لهذه الحفلة الموسيقية من دون تصريح فناني الأداء (أي الفرقة الموسيقية والعازفين).
كما لا يحق لأحد أن يصنع نسخة من القرص المدمج الذي يتضمن هذه الحفلة من دون تصريح منتج هذا التسجيل ورضاه.
إضافة إلى ما تقدم، من المفيد معرفة أن منتجي التسجيلات الصوتية يتمتعون بالحماية على تسجيلاتهم التي لا تعتبر من باب المصنفات. فمثلا، إن التسجيل الذي يتضمن زقزقة العصافير وهدير الأمواج وإن كان لا يعتبر من باب المصنفات فإن صاحبه يتمتع بالحماية و يمكنه أن يدعي على كل من يقوم باستنساخ أو قرصنة هذا التسجيل من غير وجه حق.
كما أوضحنا في الفقرات السابقة تخص الحقوق المجاورة ثلاث فئات من المستفيدين هم:
– فنانو الأداء (المغنون مثلا).
– منتجو التسجيلات الصوتية.
(شركات إنتاج الأشرطة ).
– هيئات الإذاعة.
1- تمنح الحقوق لفناني الأداء لأن دورهم في الابتكار ضروري بالنسبة لحياة المصنف أكان مصنفاً موسيقياً أو دراما أو سينمائياً أو راقصاً، ولأنهم جديرون بالتمتع بالحماية القانونية لأدائهم المتفرد.
۲- تمنح الحقوق لمنتجي التسجيلات الصوتية لأن الإمكانيات التي يتمتعون بها في مجال الابتكار والتمويل والتنظيم ضرورية لنقل الصوت إلى الجمهور سواء أكان ذلك بواسطة الاسطوانات أو الأشرطة أو الأقراص المدمجة أو أية أشكال أخرى للتسجيل.
ولهؤلاء مصلحة شرعية بأن تتوفر لهم الإمكانيات القانونية للحماية لكي يتمكنوا من محاربة الاستعمال غير الشرعي لتسجيلاتهم كأعمال القرصنة أو البث الغير الشرعي.
٣- وأخيراً، تمنح الحقوق لهيئات البث الإذاعي لأنها تساهم في جعل المصنفات في متناول الجمهور، ولأن لها مصلحة شرعية بالاحتفاظ بحقوق البث وإعادة البث للمواد الإذاعية.
الآن أنتبه جيدا إلى السؤال التالي الذي يبين أهمية حقوق الإذاعة ويبين تطورها استنادا إلى مثل يتناول بث المباريات الرياضية.
سؤال رقم ۲:
ما هي الحقوق المجاورة التي تتمتع بها هيئات الإذاعة بمناسبة نقل برنامج رياضي؟
تتمتع حقوق البث الإذاعي بأهمية خاصة عندما يتعلق الأمر بالبرامج الرياضية.
ففي عدد كبير من الدول، لا تتمتع هذه البرامج بالحماية بموجب حق المؤلف.
ولكن ثمة بعض الدول وفي مقدمها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعتبر أن المباراة الرياضية المصورة هي مصنف سمعي- بصري يتمتع بعنصر الابتكار الكافي المطلوب للحماية بموجب حق المؤلف.
غير أن بلدانا أخرى تعتبر أن عنصر اللعب هو العنصر الحاسم الأهم، وبالتالي ترى هذه الدول أن المباراة الرياضية المصورة تفتقر العنصر الابتكار إذ يكتفي فيها المصور، مهما كانت قدرته عالية في مجال التصوير، بتصوير اللاعبين أثناء اللعب .
وبالتالي فإن هذه الدول لا تعتبر عمل المصور هذا مصنفاً فنياً.
وعليه، نرى أن المباريات الرياضية التي يمكن حمايتها بموجب حق المؤلف لا توجد أو هي قليلة جدا.
ولأن حقوق البث التلفزيوني للألعاب الأولمبية مثلا تتمتع بأهمية تجارية كبرى بسبب كونها تقدر بالملايين فإن الاستثمار في بث الألعاب الأولمبية يكون عديم الفائدة في حال استثمرت شركة أموالاً طائلة لتحصل على ترخيص حصري لبث هذه الألعاب ووجدت نفسها عاجزة عن حماية استثمارها هذا بواسطة الحقوق المجاورة ومنع المنافسين من إعادة بث تسجيلاتها أو تسجيلها وبيعها على شرائط فيديو مثلا.
إن هذا المثل يوضح الأسباب الموجبة التي أدت إلى منح فناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة ما يعرف بالحقوق المجاورة.
إن توقيع اتفاقية روما لسنة 1961 أو بالأحرى الاتفاقية الدولية لحماية فناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة تعتبر أول استجابة منظمة من المجموعة الدولية لضرورة تأمين حماية قانونية للفئات المذكورة سابقا والتي تستفيد من الحقوق المجاورة.
وبعكس معظم الاتفاقيات الدولية التي تعتبر امتدادا للتشريعات الوطنية وتقدم خلاصة القوانين المعمول بها فإن اتفاقية روما شكلت محاولة لإيجاد تنظیم دولي لقطاع جديد كانت فيه القوانين الوطنية شبه غائبة.
وهذا يعني، أنه كان على الدول أن تصدر قوانین تتلاءم وأحكام الاتفاقية قبل أن تنضم إليها. ومنذ تاريخ صدور هذه الاتفاقية أصدرت معظم الدول تشريعات وطنية معظمها يتضمن حماية أكبر من تلك التي تمنحها هذه الاتفاقية.
أما أحدث استجابة دولية لمواكبة التطور الحاصل في مجال حماية الحقوق المجاورة فهي معاهدة الويبو بشأن الأداء والتسجيل الصوتي. وقد تم توقيع هذه المعاهدة في جنيف بتاريخ ۲۰ ديسمبر/كانون الأول ۱۹۹۹ ودخلت حيز التنفيذ في ۲۰ مايو/أيار ۲۰۰۲.
وهذه المعاهدة توسع الحقوق المالية والمعنوية الممنوحة لفناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية فيما يتعلق بالاستغلال الرقمي بما فيه الإنترنت.
الآن وقد عرفت من هم الأشخاص والمنظمات الذين يمكن أن يتمتعوا بالحماية بموجب الحقوق المجاورة سوف ننتقل إلى شرح ما هي هذه الحقوق؟
من حيث المبدأ يمكن مقارنة هذه الحقوق بتلك الممنوحة بموجب حق المؤلف. بمعنى آخر يجب منع استغلال أداء فناني الأداء والتسجيلات الصوتية وبرامج هيئات الإذاعة المحمية إلا بموافقة أصحابها.
الحقوق الممنوحة للمستفيدين من الحقوق المجاورة
تمنح التشريعات الوطنية للفئات الثلاث من المستفيدين من الحقوق المجاورة الحقوق التالية، ويمكن ألا يشمل تشريع واحد كل هذه الحقوق:
- يحق لفناني الأداء منع تثبيت أو إذاعة أو نقل أو استنساخ أي تثبيت لأدائهم دون تصريحهم.
ويمكن لهؤلاء أن يستعيضوا عن حق منع حقوق الإذاعة والنقل إلى الجمهور لتسجيلاتهم الصوتية المثبتة ببدل عادل ويمر ذلك من خلال التراخيص غير الطوعية التي تم تناولها في الوحدة المخصصة لحق المؤلف.
وبسبب الطابع الشخصي للابتكارات تمنح بعض التشريعات الوطنية لفناني الأداء حقا معنويا يخولهم الاعتراض على عدم ذكر أسمائهم أو على أي تعديل يمس عملهم ومن شأنه أن يسيء إلى سمعتهم.
٢- يتمتع منتجو التسجيلات الصوتية بالحق في التصريح بالاستنساخ المباشر أو غير المباشر التسجيلاتهم الصوتية أو بمنع هذا الاستنساخ، كما يتمتعون بالحق بالتصريح باستيراد وتوزيع تسجيلاتهم أو نسخ من هذه التسجيلات على الجمهور أو بمنع هذه الممارسات.
ولمنتجي التسجيلات الصوتية الحق بمكافأة عادلة مقابل إذاعة ونقل تسجيلاتهم الصوتية إلى الجمهور.
3- يحق لهيئات الإذاعة أن تجيز أو تحظر إعادة إذاعة وتثبيت واستنساخ برامجها.
وتعترف بعض الدول بحقوق أخرى لهؤلاء، ففي بلدان الاتحاد الأوروبي يتمتع منتجو التسجيلات الصوتية وفنانو الأداء بحق تأجير تسجيلاتهم، وتعترف بعض البلدان بحقوق خاصة للنقل عبر الكبل. أما اتفاقية تريبس فتمنح منتجي التسجيلات الصوتية حق تأجير تسجيلاتهم.
كما هي الحال بالنسبة إلى حق المؤلف، فإن اتفاقية روما والتشريعات الوطنية تنص على بعض الاستثناءات على الحقوق.
وعليه، فإنه بالنسبة للأعمال المؤداة، والتسجيلات الصوتية وبرامج البث الإذاعي يسمح بالانتفاع الخاص، وبالانتفاع بمقتطفات قصيرة للتعليق على الأحداث الجارية، وبالانتفاع المقصور على أغراض التعليم أو البحث العلمي.
كما أن عددا من الدول يجيز الاستثناءات نفسها التي تنص عليها قوانينه بالنسبة إلى حق المؤلف.
إن مدة حماية الحقوق المجاورة بموجب اتفاقية روما هي ۲۰ عاماً ابتداء من :
- نهاية سنة تثبيت التسجيل الصوتي أو الأداء المدرج فيه.
- . نهاية سنة إجراء الأداء غير المدرج في تسجيلات صوتية.
- نهاية سنة إذاعة البرنامج الإذاعي. وتجدر الإشارة إلى أن معظم التشريعات الوطنية تنص على مدة من الحماية أطول من الحد الأدنى الذي حددته اتفاقية روما.
أما بموجب اتفاقية تريبس، وهي الاتفاقية الأحدث في هذا المجال، فإن حقوق فناني الأداء، ومنتجي التسجيلات الصوتية تدوم 50 عاماً على الأقل، تحتسب من تاريخ نهاية السنة التي تم فيها تثبيت العمل أو أدائه.
أما مدة حماية هيئات الإذاعة بموجب هذه الاتفاقية فتدوم ۲۰ عاما تبدأ من نهاية السنة التي حصل فيها البث. بمعنى آخر، إن البلدان التي تنضم إلى اتفاقية تريبس ملزمة بتعديل تشريعاتها لتتناسب وهذه الاتفاقية وبالتالي فهي ملزمة بمنح حماية أطول من تلك التي تمنحها اتفاقية روما.
وأما بالنسبة إلى إنفاذ الحقوق، فلا تختلف إجراءات الإنفاذ في حال التعرض أو انتهاك الحقوق المجاورة عن تلك المتبعة بالنسبة إلى حق المؤلف، ونذكر أنها: تدابير مدنية، وتدابير جزائية، وإجراءات على الحدود، وتدابير وعقوبات في حال سوء استخدام الوسائل الفنية.
لمراجعة هذه التدابير يمكنك العودة إلى الوحدة الخاصة بحق المؤلف.
لقد جذبت بعض الدول النامية فكرة حماية أشكال التعبير الفلكلوري بموجب حق المؤلف، لأن هذه الأشكال تنقل إلى الجمهور عادة من خلال فناني الأداء.
فبفضل الحماية بموجب الحقوق المجاورة، يتاح للدول النامية حماية الفلكلور الذي يشكل ثروة وطنية ووسيلة من وسائل التعبير عن ذاتها والتعريف بهويتها الاجتماعية والثقافية.
كذلك ، تساعد حماية منتجي التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة على إرساء الأسس لصناعات وطنية محلية تساهم في نشر التعابير الفلكلورية داخل وخارج الأسواق المحلية.
ولعل انتشار ما يعرف بالموسيقى العالمية في أيامنا الحاضرة خير دليل على وجود هذه الأسواق التي لا تحظى في الغالب المجتمعات المحلية التي طورتها وحافظت عليها بأية حصة من العوائد المتأتية من استغلالها.
باختصار، إن الحماية بموجب الحقوق المجاورة تقود إلى حماية الإرث الوطني المحلي وتأمين استغلال تجاري سليم للفلكلور في الأسواق العالمية.
نصوص تشريعية
– اتفاقية روما لحماية فناني الأداء ومنجي التسجيلات الصوتية و هيئات الإذاعة.
– اتفاقية تربسل.
– معاهدة الويبو بشأن الأداء والتسجيل الصوتي.
– اتفاقية بروکسل بشأن توزيع الإشارات حاملة البرامج المرسلة عبر التوابع الصناعية.