جاء هذا الظرف المشدد في الفقرة (ج) من المادة 628 ق. ع مستنداً على صفة السارق.
وحكمة تشديد العقاب فيها أن هؤلاء الأشخاص، من خدم أو عمال ومن إليهم يتمتعون بثقة مخدومهم أو مستخدمهم، وهو لهذا يضع بين أيديهم أمواله التي تتطلبها أعمالهم، ولا يدور بخلده سرقتهم لها وإلا لما فعل ذلك أو لكان، على الأقل، احتاط لعدم وقوع السرقة.
لهذا يشكل إقدام هذه الفئة من الأشخاص على السرقة إهدارا للثقة التي منحت إليهم، وسهلت لهم ارتكابها، مما يستدعي تشديد العقاب عليهم.
والملاحظ أن نص الفقرة السابقة يشمل طائفتين من الأشخاص هما الخدم من جهة، والمستخدمون والعمال والصناع من جهة أخرى، وجعل النص لكل طائفة أحكامها الخاصة لتوافر التشديد .
أ- الخدم.
لقد أوجب المشرع لتوفر ظرف التشديد أن تقع السرقة من خادم مأجور، على مال مخدومه أو مال غيره في بيت مخدومه أو في بيت أخر رافقه إليه.
وهذا يعني ضرورة توافر ثلاثة شروط: صفة الخادم، و الخدمة المأجورة، وأن تقع السرقة إضرار بالمخدوم.
– والخادم هو الشخص الذي ينقطع للقيام بالأعمال التي يحتاجها مخدومه أو عائلته في شئون الحياة اليومية، أي يقوم بالخدمة بصفة منتظمة.
كالخادسة والحارس والسائق الخاص ومربية الأطفال، سواء أنام في مكان عمله أو في مسكن خاص بعيد عنه.
والانقطاع عن العمل هو الذي يميز الخادم عن غيره من الأشخاص الذين يقومون بأعمال للمخدوم ولكن ليس على وجه الانقطاع أو بصفة منتظمة.
فالبستاني الذي يهتم بالحديقة من حين لأخر، ومنظفة المنزل التي تقوم بالعمل يوماً في الأسبوع أو في الشهر وعامل التنظيف الذي يجمع القمامة من أمام المنازل، فهؤلاء لا يعدون من الخدم المقصودين بهذا النص.
– والخدمة المأجورة نص المشرع صراحة على وجوب توفرها.
والأجر هو كل ما يحصل عليه الخادم في مقابل عمله أيا كان شكله أو طريقة دفعه.
فسيان أن يكون مادياً، أي نقداً، أو عينياً كثياب أو طعام أو مأوى.
وسيان أن يدفع أسبوعياً أو شهرياً أو سنوياً.
وشرط الأجر هو الذي يضفي على المدعى عليه صفة الخادم في معرض تطبيق ظرف التشديد.
لذلك يستبعد من عداد الخدم الصديق الذي يساعد صديقه في قضاء حاجاته أثناء مرضه ولو انقطع لذلك، والسيدة الفقيرة التي تعيش في كنف قريبها المقتدر وتسهر على قضاء مصلحته وعائلته، وتتلقى بين الحين والأخر بعض الهبات أو تشارك قريبها طعامه .
فهؤلاء لا يصدق عليهم أنهم يتقاضون أجرا، وبالتالي تنتفي عنهم صفة الخادم.
– ويجب أن تقع السرقة إضراراً بالمخدوم.
ويتمثل ذلك في حالتين وردتا بالنص:
أن يكون المال المسروق للمخدوم بغض النظر عن مكان وقوع السرقة، سواء داخل منزله أو خارجه.
أو أن يكون المال المسروق ليس للمخدوم، وإنما لشخص أخر، بغض النظر عن مكان وقوع السرقة، سواء داخل منزل مخدومه، كما لو سرق الخادم مالاً عائداً لأحد ضيوفه، أو في منزل أخر، كما لو سرق الخادم ما عائدة لشخص أخر كان مخدومه في ضيافته.
ب- المستخدم والعامل والصانع.
لقد أوجب المشرع لتوافر ظرف التشديد أن تقع السرقة من مستخدم أو عامل أو صانع ويسرق في مصنع مخدومه أو مخزنه أو في الأماكن التي يشتغلون عادة فيها.
وهذا يعني ضرورة توافر شرطين:
صفة في السارق، ومكان السرقة.
– صفة السارق؛
تطلب المشرع في السارق أن يحمل إحدى صفات ثلاث:
مستخدم أو عامل أو صانع. وهؤلاء لا يصدق عليهم وصف الخدم بالنظر إلى طبيعة الأعمال التي يؤدونها. فهم وإن كانوا ينقطعون لخدمة الغير كالخدم، إلا أن الأعمال التي يقومون بها ليست أعمالاً مادية تتصل بشخص الغير، وإنما هي أعمال يغلب عليها الطابع المهني أو الفني أو اليدوي، كالسكرتير والمحاسب الخصوصي والكاتب والعامل في معمل أو محل تجاري و عامل الزراعة في الريف.
فهؤلاء جميعاً يقومون بعمل لشخص أخر على وجه الاعتياد والانتظام النسبي.
وهذا الاعتياد هو الذي يمنح القائم بالعمل ثقة رب العمل ويتيح له أن يدخل بحرية إلى الأماكن العائدة للمجني عليه.
يستخلص من ذلك أن ظرف التشديد هذا لا يتوافر إذا ارتكبت السرقة من عامل استدعي عرضا إلى منزل ليقوم فيه بعمل ثم ينصرف، كتصليح جهاز كهربائي أو تمديد كهرباء أو توصيل الغسالة الأوتوماتك وما إلى ذلك، لأن العامل هنا لا يحوز ثقة صاحب المنزل الذي لا ينفك عن رقابته له.
– مكان السرقة؛
تطلب المشرع أن يسرق المستخدم أو العامل من مصنع المخدوم أو مخزنه أو في الأماكن التي يشتغلان عادة فيها هو العامل الذي يسرق من مصنع رب عمله يشدد عقابه سواء كان المال المسروق عائدا لرب العمل أو لغيره.
فقد تقع السرقة على إحدى أدوات المعمل أو على شيء مملوك لغير صاحب العمل وجد في المصنع لإصلاحه، أو على مال عائد لعامل أخر.
ويأخذ ذات الحكم الصانع الذي يسرق من مخزن رب عمله التاجر، فيطاله التشديد أيضا سواء كان محل السرقة مالا من المخزن أو ما تعود ملكيته لصانع أخر أو لشخص غريب وجد ماله في المخزن كوديعة مثلا.
ولا يقتصر الأمر برأينا على المصنع والمخزن اللذان ذكر هما النص على سبيل التمثيل وليس على سبيل الحصر.
فالتشديد يطال أيضاً العامل الزراعي الذي يسرق في الأرض التي يعمل عليها مالاً عائداً لمالك الأرض أو لغيره من العمال أو لشخص غريب أيضا.
ولا يقتصر التشديد على السرقة الحاصلة من هذه الفئة في أماكن العمل العائدة لرب عملهم فقط، بل أن هناك طائفة من العمال يعملون في أماكن تعود لغير رب العمل، كما لو كان الأخير مقاولاً مثلاً، فتقع السرقة من أحد عماله في مكان تنفيذ العمل لدى الغير و على مال مملوك لرب عمله أو لأحد العمال أو لشخص غريب، فيطاله تشديد العقاب.