يمكن أن نعبر عن مصطلح الصفة بالجواب على سؤال: من هو المدعي أو من هو المدعى عليه ؟ فالصفة تحمل معنى السلطة التي بمقتضاها يرفع الدعوى أمام المحاكم، لأنها ترتبط بمفهوم
حق التقاضي، وحق التمثيل أمام المحاكم، وهي تكون في الأصل لصاحب الحق أو الدائن أو المعتدى عليه، والصفة في الادعاء شرط أساسي لقبول الدعوى وهو من متعلقات النظام العام. بمعنى أن رفع الدعوى من غير صاحب الصفة أو على من ليس له صفة فيها يترتب عليه انعدام الخصومة. لهذا نستطيع أن نقول إن من يملك صفة الادعاء أمام المحاكم يمكن أن يكون:
1- صاحب الحق
فكل شخص سواء كان شخصا طبيعية أم شخصا معنوية، يملك الصفة في إقامة الدعوى أمام القضاء للمطالبة بدين، أو بوقف اعتداء وبالتعويض عن الضرر، أو لحماية الحق وإلزام الغير باحترامه، فصاحب الحق هو الشخص الذي وقع على شخصه أو على ذمته المالية اعتداء ما، وعلى هذا، فإنه للشركاء أو المساهمين في الشركة وحدهم الحق في طلب حل الشركة، وطلب تعيين مصف من القضاء، كما أن الشريك الذي يتولى إدارة المال الشائع يكون له الصفة في رفع الدعاوى المتعلقة بتلك الإدارة بوصفه أصيلا عن نفسه ونائبة عن الشركاء الأخرين.
2- ممثل صاحب الحق:
يمكن للمدعي صاحب الحق أن يقيم الدعوى بنفسه في الحالات التي أجاز له القانون ذلك، ويجوز أن يرفع الدعوى ممثله، وتمثيل صاحب الحق يمكن أن يكون قانونية أو اتفاقية، وبالتالي يجب إثبات صفة التمثيل بشكل واضح ومستقل، مع الأخذ بالحسبان أن الشخص المعنوي لا يستطيع رفع الدعوى إلا بواسطة نائب عنه. وفي جميع الأحوال لا يجوز لممثل صاحب الحق أن يرفع الدعوى بصفته الشخصية، بل عليه أن يرفعها بصفته ممثلا له، وأن يذكر مستند التمثيل الذي يعطيه الصفة برفعها، وعلى هذا سوف نفصل في التمثيل القانوني، والتمثيل الاتفاقي، وتمثيل الأشخاص المعنوية وفق الأتي:
أ- تمثيل الشخص الطبيعي
يتم تمثيل الشخص الطبيعي إما بقوة القانون عن طريق نصوص تشريعية تنص على تمثيل بعض الأشخاص لبعضهم الآخر، ويمكن أن يكون هذا التمثيل بناء على أمر من القضاء، وأكثر الصور في التمثيل تتم من خلال الاتفاق بمقتضی سند توكيل يعطيه صاحب الحق لشخص طبيعي أخر يخوله فيه بمراجعة القضاء لرفع الدعوى عنه وباسمه، وسنبين صور تمثيل الشخص الطبيعي وفق الآتي:
(1) – التمثيل القانوني:
تقام الدعاوى من بعض الأشخاص بسبب قصرهم صغر سنهم بواسطة من يمثلهم قانونا، فالأب والجد يمثلان الأبناء والأحفاد القاصرين بقوة القانون دون الحاجة إلى أية إجراءات،
وتثبت الصفة بإبراز ما يثبت الحالة العائلية، كما تثبت الصفة لهما في تمثيل المذكورين إذا بلغوا سن الرشد وكانوا في حالة جنون أو عته، وعند عدم وجود الأب أو الجد أو في حالة تعارض المصالح، فتكون الصفة في التمثيل للوصي الذي يعينه القاضي الشرعي لإدارة أموال المذكورين، والذي يأخذ في الحسبان مصلحة ناقصي الأهلية والمحافظة على أموالهم،
وتبقى تلك الصفة إلى أن يبلغ القاصر سن الرشد أو رفع الحجر عن المجنون أو المعتوه، أو رد الاعتبار للمحكوم عليه بعقوبة جنائية، أو رد الاعتبار للتاجر المفلس، حيث تزول تلك الصفة من ذالك التاريخ، ما لم تكن الدعوى قد حجزت للحكم حيث تبقى الصفة إلى أن يصدر الحكم فيها،
كما يمثل المفقود والغائب القيم على إدارة أموالهما، ويجب أن تقام الدعوى بصفته وصية أو قيمة، وإلا حكم بعدم القبول، ويمثل حالة الإفلاس سواء المفلس أم الدائنون بالنسبة للتفليسة وكيل التفليسة (المصفي أو المدير )، ويبقى للمفلس صفة تمثيل نفسه بالنسبة للحقوق اللصيقة به، وكذلك تلك المتعلقة بوضعه العائلي كالطلاق.
كما استقر الاجتهاد الفرنسي بالنص صريح على أن الوكيل البحري يمثل الربان في غيابه ويقوم مقامه في صلاحياته ومسؤولياته جميعها ومنها التمثيل القانوني في الأمور المتعلقة بالرحلة ومنها حادث الحريق في السفينة. وعدم تسجيل وكالة الوكيل البحري في سجل الشركات لا يحول دون قبول مخاصمته أمام القضاء لأن المرسوم (151) الذي قصد إلى استبعاد غير السوريين من الوكالات لا يحول دون مخاصمة الوكيل الفعلي حتى لا يضار المواطن الذي له حق عند الباخرة لعدم وجود خصم، وهذا ما أخذ به القضاء السوري.
كما يمثل بعض أهالي القرية بعضهم بعضا بقوة القانون إذا تجاوز عددهم مئة شخص في بعض أنواع الدعاوى على سبيل الحصر وهي:
(أ) . الدعاوى المتعلقة باستعمال العقارات المتروكة المرفقة:
يكون لأهل القرية حق الانتفاع بها على الوجه الذي أعدت له كالبيادر والساحات والمراعي، حيث يكون لبعض منهم – يمكن أن يكون هذا البعض مختار القرية – إقامة الدعوى بالأصالة عن نفسه وإضافة إلى أهالي القرية لحماية حق الاستعمال من كل اعتداء يقع على تلك العقارات.
(ب)- إقامة الدعاوى المتعلقة بإسقاط حق الاستعمال:
يمكن لبعض أهل القرية أن يرفع الدعاوى بمواجهة أخرين من أهلا بإسقاط حق استعمالهم للعقارات المتروكة المرفقة لأحد أسباب سقوط الحقوق وفق القواعد العامة.
(ج)- الدعاوى المتعلقة بالحقوق المكتسبة على الأملاك العامة:
قد يكتسب أهل القرية بعض الحقوق على الأملاك العامة من رعي أو تحطيب أو سقاية أو مرور، ففي جميع هذه الحالات يكون البعضهم الادعاء من أجل تثبيت وحماية هذه الحقوق.
2- التمثيل الاتفاقي:
ترفع الدعوى من صاحب الحق شخصية أو من وكيله القانوني، ويجب أن تكون الوكالة مصدقة من الكاتب بالعدل ، والأصل أن الوكيل هو أحد المحامين المسجلين في أحد فروع نقابة المحامين ، ويمكن أن يكون الوكيل الزوج أو أحد الأصهار أو الأقارب حتى الدرجة الثالثة، ولا يشترط أن يتم النص في الوكالة على مركز الموكل في الدعوى كمدع أو مدعى عليه إذا جاء نص التوكيل على عبارة بأي صفة كانت، لأنها تنصرف للموكل على أنه لا يوكل بصفته الشخصية فقط، بل بأية صفة تكون له ويكفي في مثل هذه الحالة إبراز ما يثبت تلك الصفة أمام موثق الوكالة أو أثناء المحاكمة، إلا أن عدم تصديق ممثل رئيس فرع نقابة المحامين على الوكالة المبرزة يجعل تمثيل المحامي مخلاً و الإجراءات غير صحيحة.
پ- تمثيل الشخص الاعتباري:
يختلف تمثيل الأشخاص الاعتبارية بحسب تكوين تلك الأشخاص، ويميز الفقهاء والقانون بین الأشخاص الاعتبارية الخاصة، والأشخاص الاعتبارية العامة وفق الأتي:
(1)- تمثيل الأشخاص الاعتبارية الخاصة:
تعد الشركات، والجمعيات، والمؤسسات، والأوقاف، والنقابات، والاتحادات، والأحزاب من الأشخاص الاعتبارية الخاصة، يمثلها أمام القضاء النائب عنها، وهو الشخص الطبيعي الذي نص عليه عقد تأسيسها أو نظامها الأساسي، ويمكن أن يكون مديرها أو رئيس مجلس الإدارة فيها، أو نقیبها، أو أي شخص آخر. إلا أن
(( حل الشركة ودخولها في دور التصفية يترتب عليه انتهاء سلطة المديرين وزوال صفتهم في تمثيل الشركة، والمصفي وحده صاحب الصفة في تمثيل الشركة في جميع الأعمال التي تستلزمها هذه التصفية وفي جميع الدعاوى التي ترفع من الشركة أو عليها)).
(2) – تمثيل الأشخاص الاعتبارية العامة:
يقصد بالأشخاص الاعتبارية العامة: الدولة، والوزارات، والإدارات، والمؤسسات العامة، ويمثل هذه الجهات إدارة قضايا الدولة، التي تتولى مهمة الوكيل بالخصومة عن الدولة والمصالح العامة فيما يرفع منها أو عليها من دعاوى لدى المحاكم والدوائر القضائية بمختلف أنواعها ودرجاتها ولدي الجهات الأخرى التي خولها القانون اختصاصا قضائيا وأمام هيئات التحكيم والتأديب،
وعند تضارب مصالح الأطراف التي تمثلها إدارة قضايا الدولة تلتزم بتعيين عدد من محامي الدولة يوازي المصالح الحكومية المتضاربة،
إلا أنه مع الاحتفاظ بحق تمثيل إدارة قضايا الدولة لجميع الجهات العامة فإنه المدير الحراج حق ملاحقة المخالفين لأحكام قانون الحراج أمام القضاء جزائيا ومدنيا وتجري هذه الملاحقة بواسطة عاملين يسميهم أو يعطيهم تفويضا بذلك لتمثيله أمام المحاكم والدوائر القضائية على مختلف أنواعها ودرجاتها ولهم حق الطعن بالأحكام الصادرة،
كما يحق للمدير الذكور تسمية ممثلين عنه من العاملين في المديرية أو المصلحة للحضور أمام الهيئات القضائية الناظرة في الدعاوى المتعلقة بحراج الدولة على مختلف أنواعها ودرجاتها وذلك لتقديم الدفوع الخطية وإيضاح هذه الدفوع. أما المؤسسات والشركات العامة التي تعد تاجرة في علاقتها مع الغير فيمثلها الشخص الذي نص عليه قانون أو مرسوم إحداثها، أو من يوكله من المحامين بهذه المهمة.
3- الورثة والموصى لهم ( الخلف العام) :
يعرف الورثة بأنهم أقارب صاحب الحق المتوفى الذين يخلفونه في ذمته المالية الدائنة وفق قواعد الشرع والقانون، ويكون حكم هؤلاء حكم صاحب الحق ذاته كما لو أنه كان على قيد الحياة، بالنسبة للديون والخسائر المادية التي تكون قد تعرضت إليها ذمته المالية حال حياته، بما فيه الحق بإقامة دعوى التعويض عن الضرر المادي الذي يصيبه شخصية من جراء فعل ضار، أما دعوی التعويض عن الضرر الأدبي فلا تنتقل إلى الورثة إلا إذا كان المورث قد أقامها حال حياته، أو كان قد اتفق مع المسبب على التعويض عن الضرر الأدبي، حيث يكون لهم إقامة الدعوى للمطالبة بالتعويض المتفق عليه ولم يدفعه للمورث، هذا، ولا تنشأ الصفة للورثة إلا بثبوت کون المدعي وارث من جهة، وأن يكون المورث قد توفي، لأن الادعاء باحتمال أن يكون وارثا غير مقبول، بمعنى أن الصفة المحتملة لا تصلح لقبول الدعوى ابتداء.
لذا، ينتصب أحد الورثة خصما عن الباقين بصفته ممثلاً لهم في التركات التي لم تقرر تصفيتها، وذلك في الدعاوى التي تقام على الميت أوله، ويحكم له بكل الحق، ويستفيد منه باقي الورثة بنسبة سهام كل منهم في التركة، وذلك بشرط أن يكون الوارث يخاصم بالحكم للتركة أو على التركة، وهو لا يمثلها إذا كانت التصفية قائمة،
وعلى هذا لا يتوجب اختصام كافة الورثة بالدعوى التي تقيمها الزوجة على تركة زوجها للمطالبة بمهرها، ويكفي فيها تمثيل أحد الورثة إضافة إلى التركة، لأنها دعوى مالية، وإذا رفعت الدعوى على أحد الورثة أمام محاكم الدرجة الأولى بصفته الشخصية يجوز تصحيحها أمام محكمة الاستئناف لتصبح إضافة إلى التركة،
وإن الادعاء المقدم من ورثة يجب أن يوضح أهو بصفتهم الشخصية أم إضافة إلى التركة، لأن هذا يتعلق بصحة الخصومة، وان صحة الخصومة من النظام العام وعلى المحكمة التصدي له قبل أي دفع أخر.
ومع ذلك فإن الخصم في دعوى العين من التركة أي في الدعاوى العقارية هو الذي تكون في حيازته تلك العين، وينصرف مصطلح الحيازة إلى الحيازة القانونية أي لمن كان العقار قد سجل باسمه في السجل العقاري، وبالتالي فإذا كان العقار لا يزال مسجلا في السجل العقاري باسم المؤرث فإن الحيازة تنتقل إلى الخلف العام أي إلى جميع الورثة، وعليه لا يصح اختصام أحد الورثة إضافة للتركة، بل يتعين اختصام الورثة جميعهم، ويصح اختصام الورثة الذين لم يختصموا أمام محكمة أول درجة أمام محكمة الاستئناف لأول مرة طالما أن خصومة صاحب القيد وورثته من بعده هي من مستلزمات الدعوى ابتداء.
أما في حالة إعلان تصفية التركة فان الخصومة تنحصر بالمصفي و لذلك فان إقامة الدعوى بمواجهة أحد الورثة غير صحيح طالما أن التصفية قائمة، والخصم هو المصفي الذي يمثل التركة، وصحة التمثيل من النظام العام تجوز إثارته في أية مرحلة كانت عليها الدعوى، وإن تعيين المصفي لا يخوله النيابة عن التركة إلا بعد تسجيل قرار تعيينه في السجل العام المنصوص عليه في المادة (840 ) من القانون المدني الذي تدون فيه يوما بيوم القرارات الصادرة بتعيين المصفين وبحيث يكون لقيد القرار بتعيين المصفي من الأثر في حق الغير الذي يتعامل مع الورثة في شأن عقارات التركة ما للتأشير المنصوص عليه في المادة (875 مدني)، لأن تسجيل المصفي يكفل إعلان أن التركة قد خضعت لإجراءات التصفية وهو الذي يحدد الوقت الذي تصبح فيه التصفية جماعية بصورة يمتنع معها اتخاذ أي إجراء فردي، ومن ذلك التاريخ فإن الورثة لا يمثلون التركة.
كما أنه لا يمثل التركة أحد الورثة إذا سبق إن تمت تصفيتها، حيث يصبح كل منهم يمثل نفسه، وإذا كان لأحد دين بذمة المؤرث عليه أن يقيم الدعوى على جميع الورثة لأن مسؤولية الورثة عن ديون المؤرث تكون بحدود ما أل لكل منهم من التركة.
4- الدائنون:
يملك الدائنون الصفة في إقامة الدعوى غير المباشرة بالنيابة عن صاحب الحق بالنسبة للحقوق أو الديون التي قصر أو تقاعس عن المطالبة فيها إذا كان من شأن ذلك أن يلحق ضررة بضمانات الوفاء بالدين.