مقدمة :
تعد الصورية إحدى حالات التخالف بين إرادتي التعاقد، الإرادة الظاهرة والإرادة الباطنة . فمن يصد در عنه التعبير الذي ينشأ به العقد يعلم تماماً أن من شأن هذا اللفظ أن ينشئ العقد، ولكنه لا يريد هذا الأثر وإنما يريد تحقيق غرض شخصي .
ودعوى الطعن بالصورية، هي إحدى وسائل حماية الضمان العام للدائنين، والمحافظة على هذا الضمان العام، والذي يتمثل في مجموع أموال المدين .
والذي يتأثر كما هو واضح بتصرفات المدین في أمواله، أو بزيادة ديونه، أو بعدم قيامه بما يلزم للمحافظة على حقوقه قبل الآخرين و المطالبة بها .
و تعد مسألتا إثبات الصورية و تقادم دعواها، من أهم المسائل التي تثيرها دعوى الطعن بالصورية في الحياة العملية، و ما يزال الخلاف قائمة فيما يتعلق بتقادم دعوى الصورية لذا فإننا سنتعرض لهاتين المسألتين تفصيلاً بعد أن نبين المقصود بالصورية، و أنواعها، والغرض منها، وأثرها في التصرف و أحكامها مع بعض المقارنة مع الأنظمة القانونية الكبرى كالشريعة الإسلامية و النظ ام الانجلوسكسوني .
الفصل الأول
ماهية الصورية وأحكامها
المبحث الأول : ماهية الصورية
إن الوقوف على ماهية الصورية يستلزم بيان معناها وأنواعها وشرائطها والغرض منها، وسوف نتناول هذه المسائل بإيجاز غير مخل في مطلبين، لنترك المجال واسعة لموضوع البحث الرئيسي وهو بوحه خاص مسألة تقادم دعوى الصورية.
المطلب الأول
معنى الصورية وأنواعها أولاً :
معنى الصورية : الصورية هي اصطناع مظهر مخالف للحقيقة عن طريق تعبير ظاهر عن تصرف قانوني غير مقصود كلياً أو جزئياً، يخالفه في الوقت نفسه تعبير مخفي عن الحقيقة المقصودة، سواء أكانت هذه الحقيقة هي عدم وجود تصرف ،أم وجود تصرف بشروط أو طبيعة مختلفة عن الشروط أو الطبيعة المعلنة .
فالصورية بهذا المعنى نوعان، صورية مطلقة، وصورية نسبية.
ثانيا : أنواع الصورية :
الصورية المطلقة
هي التي تنصب على وجود التصرف، لأن المتعاقدين لم يقصدا بالتصرف الظاهر أن تترتب عليه آثار قانونية، بحيث يوجد مظهر لتصرف قانوني لا وجود له في الحقيقة أن يبيع المدين جزءا من ماله لزوجته لكي يمنع تطبيق إجراءات التنفيذ على هذا المال، دون أن يقصد بيعه فعلاً .
و لكي يتحقق له ذلك فإنه يحتفظ بورقة يبين فيها علاقته الحقيقية مع المتصرف إليها زوجت به وهي أن الملكية ما زالت للبائع الزوج .
فنكون هنا بصدد عقدين، الأول العقد الظاهر أي الصوري، والثاني هو العقد الذي يبين فيه أنه لم يقصد بالعقد الأول نقل الملكية فعلاً، هذا العقد الثاني هو ما جرى العمل على تسميته بورقة الضد .
ومن ذلك في الفقه الإسلامي بيع التلجئة، و صورته أن يعقد شخصان عقد بيع في الظاهر فقط بقصد إبعاد المال المبيع في الظاهر عن ملك صاحبه خوفاً من ظالم مثلاً و لعقد في الواقع .
أما الصورية النسبية،
ففيها يكون العقد الظاهر ساتر التصرف حقيقي يختلف عنه من حيث الطبيعة، أو من حيث الشرائط والأركان، أو من حيث شخصية أطرافه .
فالصورية النسبية من حيث الطبيعة، وتسمى عند شراح القانون بالصورية بطريق التستر كما لو اتخذ المتعاقدان عقد البيع ستارة لاختفاء هبة تجنباً لصياغة العقد في الشكل الرسمي، إذ إن الرسمية ركن في الهبة .
والصورية النسبية من حيث الشروط والأركان، وتسمى بالصورية بطريق المضاد كما لو ذكر في بيع العقار ثمن أقل من الثمن الحقيقي تهرب من دفع رسوم التسجيل كاملة، إذ إن رسم التسجيل رسم نسبي .
ومن ذلك أيضا إخفاء سبب العقد تحت ستار سبب أخر، كما لو وهب شخص لسيدة مالاً معنياً وذكر في سند الهبة أن سببها مجازاة الموهوب لها عن خدمة مشروعة أدتها إليه، ويكون السبب الحقيقي هو الرغبة في إقامة علاقة غير شرعية.
وقد تقتصر الصورية على مجرد تغيير تاريخ العقد، كما لو كان أحد العاقدين مريضا مرض الموت فيقدم التاريخ ليجعله سابقاً على بدء المرض .
وأخيراً الصورية النسبية من حيث شخصية أحد المتعاقدين و تسمى بالصورية بطريق التسخير من ذلك أن المادتين (939 – 440 مدني سوري ) تنصان على منع عمال القضاء والمحامين من شراء الحقوق المتنازع عليها والتي يكون نظرها من اختصاص المحاكم التي يباشرون أعمالهم في دائرتها
فيعمد المتعاقدان تحايلاً على هذا النص، إلى إخفاء شخصية المشتري تحت ستار شخصية أخر.
فالإخفاء هنا ينصب على شخص الملتزم أو المستفيد من التصرف القانوني، فيبرم التصرف شخص يعير اسمه للمتعامل الحقيقي، و لذا تعرف هذه الصورية بحالة الاسم المستعار أو النيابة الخفية .