اندماج الشركات
ذكرنا أن التركز الاقتصادي ينشأ في مجال الشركات بوسائل متعددة، ويعد اندماج أحد هذه الوسائل، التي تسعى الشركات ذات النشاط المتشابه أو المتكامل إليه، إما لتحقيق معدلات إنتاجية أعلى وتحقيق نوع من الاحتكار في مباشرة النشاط الذي تزاوله، وإما بقصد وضع حد للمنافسة بينها، وإما بقصد تقليل النفقات، لتخفيض تكاليف النشاط الذي تقوم به وتوحيد سياسة الإنتاج وزيادة الائتمان ودعم القوة الاقتصادية للشركات الداخلة في الاندماج.
على أن هذا الاندماج يعد غير مشروع عندما يؤدي إلى إلغاء المنافسة وظهور شركات احتكار تفرض نفوذها وتسيطر على الأسواق.
كما لا يخلو الاندماج من العيوب إن لم يحسن استخدامه، إذ يتوقف بخاصة أو فشله على كافة الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السائدة في كل دولة.
وقد نظم المشرع الاندماج في قانون الشركات، وأوضح ماهية الاندماج والشركات التي يحق لها الاندماج وإجراءاته والطعن ببطلانه وآثاره القانونية.
ماهية الاندماج والطرق التي يتم بها
يقصد بالاندماج ضم شركتين أو أكثر في شركة أخرى من ذات شكلها القانوني أو من شكل آخر. والاندماج بالمعنى القانوني يتم إما بالضم بحيث تندمج شركة ” الشركة المندمجة” بشركة أخرى “ الشركة الدامجة ” بحيث تنقضي الشركة المندمجة وتزول شخصيتها الاعتبارية وتبقى الشركة الدامجة وحدها القائمة بعد الدمج، وإما أن يتم بطريق المزج، وذلك باندماج شركتين التأسيس شركة جديدة تكون هي الشركة الناتجة عن الاندماج اعتباراً من تاریخ شهر الشركة الناتجة عن الدمج.
وقد أجاز المشرع للشركات ذات الشكل القانوني الواحد الاندماج ببعضها، كما أجاز للشركات مهما كان شكلها القانوني الاندماج لتشكيل شركة جديدة، وكذلك أجاز للشركات التضامنية والتوصية الاندماج بشركات محدودة المسؤولية أو مساهمة، كما يجوز للشركة المحدودة المسؤولية
الاندماج بشركة مساهمة أو العكس
للشركة المساهمة أن تندمج بشركة محدودة المسؤولية (مادة 219/ 1و2و3 شركات). وقد أعفي المشرع الشركات المندمجة ومساهموها والشركات المندمج فيها والشركات الناجمة عن الاندماج من جميع الضرائب والرسوم بما في ذلك رسوم نقل الملكية التي تترتب على الاندماج أو بسببه. (مادة 4/219 شركات).
إجراءات الاندماج
حدد المشرع إجراءات اندماج الشركات في كافة مراحلها، بدءا من اتخاذ قرار الاندماج وانتهاء بتمام تسجيل الشركة الدامجة أو الناتجة عن الاندماج، بما في ذلك حق الدائنين في طلب إبطال قرار الدمج إن كان من شأنه الإضرار بمصالحهم.
قرارات الاندماج
يجب على الشركات الراغبة في الاندماج اتخاذ قرارات نوضحها على التوالي:
1 – اتخاذ الشركة المندمجة قرارا بالاندماج يصدر عن الجهة التي يحق لها تعديل العقد أو النظام الأساسي للشركة.
2 – اتخاذ الشركة المندمجة قرارا بالموافقة على اتفاقية الدمج التي يجب أن تحدد فيها شروط وكيفية توزيع رأس المال في الشركة الدامجة أو الشركة الجديدة بعد الاندماج، وتصدر هذه الموافقة عن الجهة التي يحق لها تعديل العقد أو النظام الأساسي للشركة المندمجة.
3 – اتخاذ الشركة الدامجة قرارا بالاندماج وبزيادة رأسمالها بقيمة الشركة المندمجة على الأقل، يصدر عن الجهة التي يحق لها تعديل العقد أو النظام الأساسي للشركة.
4 – اتخاذ الشركة الدامجة قرارا بالموافقة على قرار الدمج التي يجب أن تحدد فيها شروط الاندماج وكيفية توزيع رأس المال في الشركة الدامجة، وتصدر هذه الموافقة على الجهة التي يحق لها تعديل العقد أو النظام الأساسي للشركة الدامجة.
التصديق على النظام الأساسي
يجب على الشركات الراغبة في الاندماج تقديم طلب التصديق على النظام الأساسي للشركة الجديدة أو على النظام الأساسي للشركة الدامجة بعد تعديله تبعاً للدمج إلى وزارة الاقتصاد وذلك وفق الإجراءات والقواعد المنصوص عليها في قانون الشركات والتي سبق لنا دراستها في معرض دراسة أحكام الشركة المحدودة المسؤولية والشركة المساهمة.
ويجب على وزارة الاقتصاد التحقق من نشر إعلان الدمج قبل التصديق على النظام الأساسي للشركات المحدودة المسؤولية الدامجة أو الناتجة عن الدمج.
تقدير قيمة موجودات الشركة المندمجة
تعد قيمة الشركة المندمجة، استنادا لتقرير الجهة التي قامت بتقييمها حصة عينية في رأسمال الدامجة أو الشركة الناتجة عن الاندماج وتخضع لأحكام الحصص أو الأسهم العينية.
وقد أعفى المشرع الشركة المساهمة المندمجة المدرجة أسهمها في الأسواق المالية من تقديم التقرير التقدير قيمتها، إذا تم الدمج وفقا لسعر السهم في هذه الأسواق، وفي هذه الحالة لا تخضع أسهم الشركة الدامجة أو أسهم الشركة الناتجة عن الدمج التي تم إصدارها بقيمة الشركة المندمجة الأحكام الأسهم العينية، ولاسيما لجهة عدم جواز تداولها، كما لا يحق لدائني هذه الشركة الاعتراض على قرار الدمج أو إقامة الدعوى، كما لا تخضع أسهم الشركة المساهمة الناتجة عن الدمج في هذه الحالة إلى الحظر المفروض على تداول أسهم المؤسسين بالنسبة للشركات المندمجة المؤسسة، أي مرور خمس سنوات على شهر قرار التأسيس أو الدمج.
الإعلان عن الاندماج والطعن به
عندما تكون الشركة الدامجة أو الشركة الجديدة الناتجة عن الدمج ذات شكل قانوني يختلف عن تلك التي للشركات المندمجة يجب نشر إعلان الدمج مع لائحة الدائنين وفقا لتقرير محاسبي الشركة أو مفتشي حساباتها في صحيفتين يوميتين ولمرتين على الأقل (مادة 1/221 شركات).
ويحق للدائنين الذين يبلغ مجموع دينهم ما لا يقل عن 10% من ديون الشركة وفقاً لما هو وارد في تقرير محاسب الشركة إقامة دعوى أمام محكمة البداية المدنية في مركز الشركة أو موطنها المختار خلال ثلاثين يوماً من تاريخ الإعلان عن الدمج في الصحف، وذلك لإبطال قرار الدمج الذي من شأنه الإضرار بمصالحهم، ولا تسري المدة المحددة بحق الدائنين الذين لا يرد اسمهم في الإعلان (مادة3/221 شركات).
ويمكن للمحكمة أن تقرر وقف تنفيذ قرار الدمج لحين البت بالدعوى، وتنظر المحكمة بالدعوى على وجه الشركة، وتعقد جلساتها كل 72 ساعة على الأكثر، ويكون قرار محكمة الاستئناف الذي يصدر في الدعوى مبرماً.
إذا لم تبلغ وزارة الاقتصاد أي قرار بوقف تنفيذ قرار اندماج الشركة، خلال خمسة وأربعين يوماً من تاريخ نشر إعلان الدمج في الصحف لآخر مرة، قامت الوزارة بالمصادقة على النظام الأساسي للشركة الدامجة أو الناتجة عن الدمج.
آثار الاندماج
نصت المادة 222 من قانون الشركات على أنه:
((تعتبر الشركة الدامجة أو الناتجة عن الاندماج خلفاً قانونياً للشركة المندمجة وتنتقل جميع الحقوق والالتزامات للشركات المندمجة إلى الشركة الدامجة أو الناتجة عن الاندماج)).
وعليه، فإنه يترتب على الاندماج انتقال كافة موجودات الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة، وحقوقها العينية الأصلية الأخرى، كما تنتقل إليها الحقوق العينية التبعية، كحق الرهن، فضلا عن انتقال كافة حقوق الشركة المندمجة الشخصية، إلا إذا كانت طبيعة الحق الشخصي تستعصي على هذا الانتقال و تأبى إلا بقاء الحق مع الشركة المندمجة وزواله بانقضائها .
كما يترتب على الاندماج انتقال التزامات الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة، فالذمة المالية للشركة المندمجة تنتقل إلى الشركة الدامجة أو الشركة الناتجة عن الاندماج، بما تشمله من عناصر إيجابية وسلبية، وهذا الانتقال يتم في هيئة مجموع من المال يختلف عن العناصر التي يتكون منها.
على أن انتقال ديون الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة أو الناتجة عن الاندماج، إنما يعني تغيير المدين الأصلي وحلول مدين أخر محله.
ونشير إلى أن انقضاء الشركة المندمجة وزوال شخصيتها الاعتبارية، لا يترتب عليه تحللها من العقود التي أبرمتها قبل الإندماج، لأن الشركة الدامجة أو الناتجة عن الاندماج تحل محلها فيما لها من حقوق وما عليها من التزامات، وبالتالي تبقى كافة العقود التي أبرمتها الشركة المندمجة قائمة ومستمرة.
ذلك أنه لا يترتب على الاندماج تصفية الشركة المندمجة واقتسام موجوداتها، بل تنتقل ذمتها المالية بما تشمله من عناصر إيجابية وسلبية إلى الشركة الدامجة أو الناتجة عن الدمج. على أن تطبيق هذه القاعدة يختلف من عقد إلى آخر بحسب طبيعة كل عقد وخصائصه ،
فمثلاً عقد الإيجار يختلف عن عقد العمل، وكلاهما يختلفان عن عقد الكفالة أو عقد الاعتماد المستندي، ولكل واحد منهم أحكام خاصة بانتقاله إلى الخلف.