أ- ماهية تصحيح الأحكام والمحكمة المختصة به:
يُقصد بتصحيح الأحكام : تصحيح ما يقع في حكم المحكمة من أخطاء مادية، كتابية أو حسابية، فإذا كان الخطأ الذي شاب الحكم لا يعدو أن يكون خطأ مادياً بحتاً، فكنه لا يصلح سبباً للطعن بالنقض، والشأن في تصحيحه إنما هو للمحكمة التي أصدرت الحكم، وان تصحيح الخطأ الحسابي والكتابي لا يتعارض مع حجية الأمر المقضي به عملاً بالمادة ( 212 أصول محاكمات) .
على أنه لما كان رفع الاستئناف ينقل موضوع النزاع برمته إلى محكمة الاستئناف، ويعيد طرحه عليها مع أسانيده القانونية وأدلته الواقعية، فإنه يكون لهذه المحكمة بما لها من ولاية فحص النزاع أن تتدارك ما يرد في الحكم المستأنف من أخطاء مادية، وأن تقضي على موجب الوجه الصحيح ، إنما لا يمنع استئناف الحكم من طلب تصحيحه لاحتمال قيام مصلحة عاجلة للتصحيح إذا كان المشرّع يجيز النفاذ المعجَّل للحكم القابل للاستئناف.
فإذا حكم بعدم قبول الاستئناف، أو ببطلان صحيفته أو بأي حكم يترتب عليه زوال الاستئناف من دون حكم موضوعي فيه، واستقرار الحكم الابتدائي، فإن سلطة تصحيح الحكم تعود إلى محكمة الدرجة الأولى التي أصدرته.
أما إن حكم بإلغاء الحكم المستأنف أو بتعديله أو بتأييده فتكون محكمة الدرجة الثانية هي المختصة بتصحيحه، ولو بالنسبة إلى الشق من قضاء محكمة أول درجة لم يتناوله التعديل، فالقاعدة العامة أن ولاية المحكمة التكميلية في تصحيح الحكم تزول عنها بالطعن فيه بحسبان أن الحكم بعد الاستئناف يعد صادراً عن محكمة الدرجة الثانية ولو صدر بالتأييد .
ب – إجراءات تصحيح الأحكام:
إن تصحيح الخطأ المادي في الحكم يجوز بناءً على طلب أحد الخصوم من غير مرافعة، ويجوز أن تصدره المحكمة من تلقاء نفسها ومن دون أي طلب، وان وفاة
أحد أطراف الحكم أو أكثر لا تمنع من تقديم طلب التصحيح من الأطراف الآخرين، طالما أنه يحق للمحكمة التصحيح من تلقاء نفسها وفي غرفة المذاكرة، ومن دون أن تعرف فيما إذا كان الأطراف أحياءً أم أمواتاً، لأن الغاية من التصحيح أصلاً هي رفع الخطأ .
ج – حدود سلطة المحكمة في تصحيح الحكم:
لما كانت القاعدة تقضي بأنه يترتب على صدور الحكم انتهاء النزاع بين الخصوم وخروج القضية من يد المحكمة بحيث لا يجوز لها أن تعود إلى نظرها بما لها من سلطة قضائية، كما لا يجوز لها إصلاح حكمها الذي أصدرته فيها، هذا هو الأصل، إلا أن المشرع رأى الإجازة للمحكمة أن تصحح ما قد يقع في حكمها من أخطاء مادية وحسابية وذلك بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم من غير محاكمة وفي غرفة المذاكرة شريطة أن تكون الأخطاء مادية بحتة، والتي لا تؤثر في كيان منطوق الحكم بحيث تفقده ذاتيته وتجعله مقطوع الصلة بالحكم المصحح.
ولكي يتوافر هذا الأمر يجب أن يكون لهذا الخطأ المادي أساس في الحكم يدل على الواقع الصحيح فيه، بحيث يبرز هذا الخطأ واضحاً إذا ما قورن بالأمر الصحيح الثابت فيه، حتى لا يكون التصحيح ذريعة للرجوع عن الحكم والمساس بحجيته، وبالتالي إن تصحيح الحكم يجب أن يقع في منطوق الحكم لا في أسبابه لأن بحث الأسباب أو فهم الواقع أو الاستنتاج منها يخالف قوة الشيء المحكوم به، ولا يجوز بكل الأحوال تغيير منطوق الحكم بما يناقض الأسباب لما في ذلك من مساس بحجية الشيء المحكوم به .
بناءً على ما تقدم يشترط إذن أن تكون الأخطاء المادية المطلوب تصحيحها واردة في منطوق الحكم وفيما يرتبط به من أسباب جوهرية تشكل جزءاً منه، ولا عبرة للأخطاء التي ترد في الوقائع أو الأسباب الأخرى.
د- تطبيقات قضائية لتصحيح الأحكام:
1- اختلاف اسم المدعى عليه الوارد في استدعاء الدعوى ومذكرة الدعوة والإخطار عن الاسم الوارد في صك الزواج الذي اعتمدته المحكمة في حكمها لا يدخل في جملة الأخطاء المادية .
2- إيراد اسم المستأنف عليه في استدعاء الاستئناف بشكل يخالف جميع الدلائل المفروضة في الإضبارة التي تشير إلى اسم المقصود بالخصومة فلا يخرج هذا عن كونه خطأ مادياً يمكن تصحيحه .
3- تعديل الحكم الصادر بتقسيم المبلغ المحكوم به بين الورثة على أساس وثيقة حصر الإرث القانوني المبرز في الدعوى، إلى تقسيمه بينهم على أساس وثيقة حصر الإرث الشرعي لا يعد تصحيحاً لخطأ حسابي .
4- إذا ذهبت المحكمة إلى تصحيح الخطأ المادي، وقضت أيضاً بتثبيت الحجز الاحتياطي وهو الطلب الذي كانت قد سهت عن البت فيه، فإنها تكون قد تجاوزت المهام المحددة بنص المادة ( 212 أصول محاكمات) مما يستدعي نقض الحكم .
5- إضافة فقرة برفع إشارة الدعوى بعد انبرام الحكم، هو من قبيل الخطأ المادي المقصود في المادة 214 أصول محاكمات (صار رقمها 216 في القانون الجديد ) بحسبان أنه الذي يقع في المسائل المادية من دون أن يؤثر تصحيحه في كيان منطوق الحكم .
وقد أصبح هذا التطبيق في قانون أصول المحاكمات الجديد، من التطبيقات القانونية، لحالات الطلبات التي تغفل المحكمة البت فيها. فقد نصت المادة 220 /ب على أنه:
“إذا سهت المحكمة عن ترقين إشارة الدعوى أو الحجز الاحتياطي في حال وجوبه واكتسب الحكم الدرجة القطعية تتولى المحكمة من تلقاء ذاتها أو بناء على طلب صاحب المصلحة في الدعوى ترقينها بقرار يتخذ في غرفة المذاكرة ويقبل التنفيذ مع الحكم الأصلي أو بعد تنفيذه.“
هـ – الطبيعة القانونية للحكم الصادر بالتصحيح :
يكون التصحيح بقرار تصدره المحكمة من تلقاء ذاتها أو بناءً على طلب أحد الخصوم من دون مرافعة كما مر، ويجري كاتب المحكمة هذا التصحيح على نسخة الحكم الأصلية وفي السجل ويوقعه من الرئيس.
وتنص المادة ( 217 /ب أصول) على عدم جواز الطعن مستقلاً في القرار الصادر برفض التصحيح، إنما يجوز الطعن فيه إذا كان تبعاً للطعن بالحكم الأصلي، فإذا كان الطعن بالحكم الأصلي غير جائز لسبق الحكم للطاعن بكل طلباته، فليس له حق الطعن بالقرار الصادربرفض التصحيح .
وأما إذا كان الطعن في الحكم الأصلي قائماً أمام محكمة الطعن جازالطعن في قرار رفض التصحيح أمامها، وعندئذ لا يعد أنه قد طعن فيه على استقلال ويكون الطعن مقبولاً.
أما القرارات الصادرة بتصحيح الأخطاء المادية أو الحسابية في الأحكام وفق المادة
( 216 /أصول محاكمات) ، فتخضع لطرق الطعن نفسها بالقرار الأصلي بوصفها أحكاماً تابعة ، ومن أسباب الطعن فيها مجاوزة المحكمة سلطتها المقررة في المادة (212 أصول محاكمات )
ويبدأ ميعاد هذا الطعن بوجه الإجمال من تاريخ تبليغ الحكم مصححاً، أو من تاريخ تبلي قرار التصحيح، ويعد قرار التصحيح متضمناً قضاءً موضوعياً سواء صدر من المحكمة من تلقاء ذاتها أم بناءً على طلب صاحب المصلحة ومن دون مرافعة، وعند تسليم صورة من الحكم يجب أن تسلم معها صورة عن الحكم الصادر بالتصحيح.
لقراءة وتحميل طلب تصحيح خطأ مادي في قرار يرجى الضغط هنا
لقراءة وتحميل اجتهادات محكمة النقص المتعلقة بتصحيح الاحكام وتفسيرها يرجى الضغط هنا
التعليقات مغلقة.