1 – ماهية تفسير الأحكام والمحكمة المختصة به :
يراد بتفسير الحكم إيضاح ما وقع في منطوقه من غموض( 218 /أ أصول) ،و من قبيل ذلك الغموض إ زالة التناقض بين أسباب الحكم ومنطوقه. وتختص به محكمة الموضوع مصدرة الحكم سواء أكانت محكمة أول درجة أم محكمة الاستئناف، أما محكمة النقض، فإذا لم تمارس سلطة الفصل في موضوع النزاع كمحكمة موضوع، وانما رفضت الطعن بوصفها محكمة رقابة على حسن تطبيق القانون، فإن تفسير ما وقع في القرار المطعون فيه من غموض وابهام يعود إلى محكمة الاستئناف بحسبانها مُصدرة الحكم المطعون فيه .
على أنه لما كان رفع الاستئناف ينقل موضوع النزاع برمته إلى محكمة الاستئناف ويعيد طرحه عليها مع أسانيده القانونية وأدلته الواقعية، فإنه يكون لهذه المحكمة بما لها من ولاية فحص النزاع أن تتدارك ما يرد في الحكم المستأنف من غموض، إنما لا يمنع استئناف الحكم من طلب تفسيره لاحتمال قيام مصلحة عاجلة للتفسير إذا كان المشرع يجيز النفاذ المعجل للحكم القابل للإستئناف، أما إن لم تكن هناك مصلحة من طلب تفسير حكم محكمة الدرجة الأولى الذي أصبح ما تضمنه من قضاء محل نظر من محكمة الاستئناف، فإنه تكون لدى صاحب المصلحة فرصة التقدم بطلب التفسير أمام محكمة الاستئناف، سواء أكان مستأنفاً أم مستأنفاً عليه، ويملك الآخر عندئذ الإدلاء باستئناف تببعي إذا اقتضى الأمر ذلك.
على أن اجتهاد محكمة النقض السورية قد اتجه إلى أنه لا يمكن للمحكمة أن تصدر قراراً بتفسير الحكم، وبالتالي لا يمكن لمحكمة النقض أن تمارس سلطتها على رقابة حكم التفسير قبل التثبت من انبرام الحكم، سواء بعدم وقوع الطعن عليه أم انبرامه بعد وقوع الطعن عليه من محكمة النقض، بحسبان أن محكمة النقض إذا مارست سلطة النظر في الحكم التفسيري، وأعطت رأيها فإنه قد يتناقض مع رأيها فيما لو عُرض عليها من طريق الطعن بالحكم الأصلي .
فأذا حكم بعدم قبول الاستئناف، أو ببطلان صحيفته أو بأي حكم يترتب عليه زوال الاستئناف من دون حكم موضوعي فيه، واستقرار الحكم الابتدائي، فإن سلطة تفسير الحكم تعود إلى محكمة الدرجة الأولى التي أصدرته.
أما إن حُكم بإلغاء الحكم المستأنف أو بتعديله أو بتأييده فتكون محكمة الدرجة الثانية هي المختصة بتفسيره وتصحيحه، ولو بالنسبة إلى الشق من قضاء محكمة أول درجة لم يتناوله التعديل، فالقاعدة العامة أن ولاية المحكمة التكميلية في تفسير الحكم تزول عنها بالطعن فيه بحسبان أن الحكم بعد الاستئناف يعد صادراً عن محكمة الدرجة الثانية ولو صدر بالتأييد .
2 – إجراءات تفسير الأحكام :
من حق الخصوم الطلب إلى المحكمة التي أصدرت الحكم تفسير ما وقع في منطوقه من غموض بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى( 218 /ب أصول)، فلابد من تقديم طلب بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى ولو رفع أمام محكمة الاستئناف، لأن هذا الطلب ليس من قبيل استئناف الحكم، ولا يُتقيد في رفعه بميعاد معين، ويجب دعوة الخصم وسماع قوله في طلب التفسير قبل الحكم به .
على أن الإيضاح الصادر عن محكمة الموضوع لرئيس التنفيذ لا يعد حكماً تفسيرياً، ولذا لا يجوز الطعن بالإيضاا التفسيري لأنه صادر عن المحكمة التي أصدرته بالصفة الولائية، ويحق للخصوم طلب إعادة التفسير بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى حسب المادة ( 218 /ب أصول) ما دام أحد الطرفين لم يجد في هذا الإيضاح التفسيري الوضوا الكافي الذي يمكّن رئيس التنفيذ من الفصل في الإشكال التنفيذي .
3 – حدود سلطة المحكمة في تفسير الحكم:
إن طلب التفسير غير مقبول إذا اتضح أن غايته هي تعديل الحكم تبعاً لإارة مواضيع سبق وأن عالجها القرار المطلوب تفسيره .
إذ يُشترط لجواز تفسير الحكم أن يكون منطوقه غامضاً أو مبهماً لا يمكن معه الوقوف على حقيقة ما قصدته المحكمة بقرارها، وألا يكون مقصوداً به تعديل الحكم والمساس بقاعدة خروج القضية من سلطة القاضي الذي أصدره .
ويتوجب على المحكمة في معرض تفسيرها لحكم سابق أن تضع الوثائق والمستندات التي كانت قيد البحث في النزاع الأصلي موضع التمحيص ، وليس لها أن تضع في تمحيصها أدلة جديدة لم تكن قيد البحث في النزاع الأصلي .
على أنه لما كان المشرّع الذي أجاز للخصوم أن يطلبوا إلى المحكمة التي أصدرت الحكم تفسيرما وقع في منطوقه من الغموض، إنما أراد تمكينهم من الحصول على حكم متمم يزيل الإشكال عند التنفيذ، ويعين على فهم ما قد سبق الحكم به، كما نصت عليه أحكام المادتين ( 218 – 219 أصول محاكمات) فإنه ينبغي على الخصوم الادعاء بهذا الحق قبل إتمام تنفيذ الحكم الأول بحسبان أن تنفيذه يجعل موضوع التفسير متصل بمصلحة غير قائمة، فلا يجوز للمحكمة بمقتضى المبادئ المقررة علماً واجتهاداً أن تنظر في طلب تفسير حكم صدر منها طالما أن القرار قد تم تنفيذه .
إن إجازة المحكمة بتفسير منطوق الحكم الناقض يُقصد به تمكين الخصوم من الحصول على حكم متممم يزيل الإشكال عند التنفيذ، فلا يجوز أن يؤدي طلب تفسير الحكم إلى الحكم بما لم يطلبه طالب التفسير أو بأكثر مما طلبه 5 ، كما أنه ليس للمحكمة في معرض تفسيرها للحكم أن تغير في منطوقه الواضح، والذي ليس فيه غموض، أو أن تلجأ إلى حيثيات الحكم لتصوغ منطوقاً جديد اً .
4 – الطبيعة القانونية للحكم الصادر بالتفسير:
الحكم الصادر بالتفسير يعد من كل الوجوه متمماً للحكم الذي يفسره وتسري عليه ما يسري على هذا الحكم من القواعد الخاصة بطرق الطعن العادية وغير العادية، أما الحكم المتضمن رد طلب التفسير، فإن هذا لم يضف أي جديد للحكم، وبالتالي فإن عدم الإضافة هذه تفيد بقاء الحكم على حاله وغير خاضع لأي طريق من طرق الطعن، وهذا ما اتجه إليه اجتهاد محكمة النقض .
فالذي يقبل الطعن هو الحكم الذي يصدر بالتفسير ويعد متمماً للحكم المفسّر، أما الحكم الذي يصدر برفض التفسير فلا يعد حكماً صادراً بالتفسير، إذ لا تفسير هناك ليصح هذا التعبير، وان ورود نص خاص على قابلية الحكم الصادر بالتفسير للطعن يدل على أن الحكم الصادر برد طلب التفسير غيرُ قابل للطعن .
على أن بعض الشراح قد ذهب إلى جواز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب التفسيرعلى استقلال، بحسبان أن المادة ( 219 أصول) لم تمنع هذا الطعن، على خلاف المادة 217 /ب أصول التي نصت على عدم جواز الطعن مستقلاً في القرا الصادر برفض التصحيح، فعبارة الحكم الصادر بالتفسير الواردة في المادة المذكورة يمكن حملها على أنها تعني الحكم الصادر بالدعوى التفسيرية حتى يمكن تحقيق التوازن بين مراكز الخصوم، والحكم في الحالتين من المتوجب عرضه على مراجع الطعن كافة للفصل فيه، والقول بغير ذلك يوفر ميزة لخصم على آخر، وهو أمرغريب عن سنن القضاء، والاجتهاد القضائي في تفسير القانون إنما وُجد لمعالجة تلك الظواهر.
وهذا هو الذي تبقرر لدى الهيئة العامة لمحكمة النقض السورية من أن الحكم الصادر برد طلب التفسير يسري عليه ما يسري على الحكم القاضي بالتفسير من
القواعد الخاصة بطرق الطعن العادية وغير العادية، أي أن أحكام المادة ( 219 أصول محاكمات) تنطبق على حالتي قبول التفسير أو رده .
والحقيقة أن الرأي الأول – وهو اجتهاد الدائرة المدنية لمحكمة النقض السورية، هو الأدق و يتماشى مع صياغة النص وسياقه، لأن الحكم الصادر برفض التفسير، لا يمكن وصفه بحال من الأحوال، بأنه متمم للحكم المطلوب تفسيره.وكنا نأمل من المشرع أن يلاحظ هذا الاختلاف في الاجتهاد، وأن يحسمه بنص صريح في قانون أصول المحاكمات الجديد رقم 1 لعام 2016 ولكنه لم يفعل، مع أن المشرع لا يعوزه النص وهو في مقام التشريع.
ويلاحظ بأنه متى قبل الحكم فإنه يفترض بداهة أنه واضح لا يحتمل أي شك في تفسيره، والا ما قبله المحكوم عليه، فإذا نازع وادعى أن قبوله كان على أساس فهم معين للحكم، فكن الأمر يُترك لمطلق تقدير المحكمة، ولها أن توضح حكمها على النحو الذي كانت تقصده، ثم يعتد بالقبول أو لا يعتد به بحسب ظروف الحال، فقبول الحكم إذن لا يمنع من طلب تفسيره.
في كل الأحوال إنه قد يكون الخصم قابلاً للحكم الأصلي، دون تفسيره وفق القرار الصادر من المحكمة، وقد يكون فوت ميعاد الطعن في الحكم الأصلي، وعندئذ يطعن في القرار الصادر في التفسير وحده، وعند تسليم صورة من الحكم يجب أن تسلم معها صورة عن الحكم الصادر بالتفسير.
لقراءة وتحميل اجتهادات محكمة النقص المتعلقة بتصحيح الاحكام وتفسيرها يرجى الضغط هنا