إن المادة (466 أصول محاكمات) حددت على سبيل الحصر حالات مخاصمة القضاة في معرض ممارستهم لمهام عملهم القضائي بالأسباب الآتية : الغش – التدليس – الغدر – الخطأ المهني الجسيم – الامتناع عن الإجابة على طلب مقدم اللقاضي أو الفصل في قضية جاهزة للحكم (إنكار العدالة) وحيث ينص القانون على تضمين القاضي.
وتتناول دعوى المخاصمة – في إطار أسبابها المحددة حصرة – الأحكام، كما تتناول الأوامر مجموعة الأعمال التي تفرضها متطلبات الفصل بالنزاع ويمارسها القاضي”.
إلا أنه بكل الأحوال فهذه الأسباب تحدد مسؤولية القاضي عن عمله المهني أي عن الأعمال التي يقوم بها كقاضي، فلا تجوز مساءلته عن أعماله القضائية في غير هذه الحالات، إنما لا تحدد هذه الحالات مسؤوليته كفرد، كأن يخل بأحد العقود بينه وبين شخص آخر، أو يلحق ضرراً بالغير من خطأ تقصيري غير مهني، كأن يتلف مالاً لشخص، فهنا يسأل مدنية وفقا القواعد العامة وبالإجراءات العادية.
1- الغش:
لغة هو عدم النصح،
والتدليس: هو كتمان العيب”، وفي الاجتهاد الفقهي کسببين من أسباب دعوى المخاصمة فهما عند البعض بمعنى واحد هو انحراف القاضي في عمله عما يقتضيه القانون قاصدأ هذا الانحراف، وذلك إما إيثارة لأحد الخصوم، أو نكاية به أو تحقيقاً لمصلحة خاصة به، في حين ميز البعض بينهما على أساس أن الغش أكثر من التدليس، فهو التدليس باستعمال طرق احتيالية أي بالحيلة والخداع”.
وفي الاجتهاد القضائي فالغش هو الخطأ الواقع في الحكم مقصودة وناشئاً عن سوء الإرادة والنية”، ومثاله في مرحلة التحقيق في الدعوى أن يعمد القاضي إلى تغيير شهادة شاهد، وفي مرحلة الحكم كأن يعمد رئيس المحكمة إلى التغيير في مسودة الحكم، أو يصف مستندا بغير ما اشتمل عليه، والتزوير الذي يقوم به القاضي وهو التحريف المفتعل للحقيقة سواء أكان مادياً كتحشير كلمة أو حذفها من أحد مستندات الدعوى، أم معنوية كتحريف شهادة شاهد أو صيغة اليمين الحاسمة التي صورها الخصم واعتمدتها المحكمة، وهذا التزوير داخل في معنى الغش والتدليس كسبب لدعوى المخاصمة، ومع ذلك لم تعده محكمة النقض السورية، إنما عدته من أسباب المخاصمة المقررة بنص الفقرة (ج) من المادة (466 )أصول محاكمات التي نصت على القبول المخاصمة في الأحوال الأخرى التي يقضي فيها القانون بمسؤولية القاضي والحكم عليه بالتعويض”” .
أما الغدر: فيقصد به انحراف القاضي بقبول أو الأمر بقبول منفعة مالية لنفسه أو لغيره لا يستحقها، وكان الغرض من ذكر هذا السبب من أسباب المخاصمة مواجهة ما يأمر به القاضي من رسوم يتقاضاها لنفسه من الخصوم أكثر مما يستحقه، أما في التقنينات الحديثة فالقاضي يتقاضى مرتبه من الدولة لا من الخصوم ولا يحصل على أي رسم لنفسه، فلم يعد لهذا السبب من أسباب المخاصمة ما يسوغ وجوده، مما يمكن معه القول إنه كان يكتفى من المشرع أن يحدد هذا السبب من أسباب المخاصمة بالتدليس بمعنى انحراف القاضي في عمله بسوء نية أي قاصدأ هذا الانحراف”.
٢- الخطأ المهني الجسيم:
وقد رسخه المشرع كأحد أسباب المخاصمة نظرة إلى ما ثبت في العمل من صعوبة إثبات سوء نية القاضي، وبالتالي تدليسه أو غشه، وشعور الخصوم بالحرج من نسبة ذلك للقاضي، لذا نجد كل دعاوي المخاصمة تقوم في الوقت الراهن على أساس ما ينسب إلى القاضي من الخطأ المهني الجسيم، على الرغم من أن الخصم يعتقد أحياناً – اعتقاد جازمة بسوء نية القاضي، إنما يكفيه لإبطال قرار هذا القاضي، وهو غايته التي ينشدها أن يدعي وقوع القاضي في الخطأ المهني الجسيم.
والخطأ المهني الجسيم هو الخطأ الفاحش ومثله الخطأ الفاضح الذي لا يقع فيه قاض يهتم بعمله اهتمامأ عادية، هو جهل فاحش واستهتار بالمبادئ القانونية الأساسية، الذي لا يخرج عن الغش، ومثله الجهل الذي لا يغتفر بالوقائع الثابتة بملف الدعوى، وكذا الإهمال وعدم الحيطة البالغة الخطورة، سواء أكان هذا الخطأ الفاضح متعلقة بالمبادئ القانونية أم بوقائع القضية الثابتة في ملف الدعوى.
3- إنكار العدالة :
ويقصد به امتناع القاضي عن الإجابة عن استدعاء قدم له، أو عن الفصل في قضية جاهزة للحكم (م 466 ب أصول محاکمات) ويثبت الامتناع المذكور بإعذار القاضي أو ممثل النيابة العامة (م 468 أصول محاکمات).
ولا ترفع دعوى المخاصمة قبل مضي ثمانية أيام على الإعذار (م 469 أصول محاكمات).
ويقصد بالاستدعاء هنا كل طلب يقدم للقاضي سواء في معرض ممارسته لسلطته القضائية أم الولائية ، فدعوى مخاصمة القضاة تتناول الأحكام كما تتناول الأوامر مجموعة الأعمال التي تفرضها متطلبات الفصل في النزاع ويمارسها القاضي – كما مر – بما فيها استدعاءات الطعون، وطلبات التدخل والإدخال والحجز .. إلخ، والإذن للنائب الشرعي وتصديق الصلح القضائي.. إلخ.
ويجب عدم الخلط بين إنكار العدالة بالمعنى المتقدم أي الامتناع عن الفصل في الطلب، والامتناع عن نظر الدعوى الناتج من حكم المحكمة بعدم اختصاصها أو بعدم قبول الدعوى، أي بين إنكار العدالة ورفض الدعوى، ففي كل هذه الحالات يكون هناك حكم قد صدر ولا نكون بصدد إنكار للعدالة، ولا يجوز إثبات امتناع القاضي بشهادة الشهود أو القرائن إنما يتوجب على الخصم أن يعذر القاضي بإنذاره بوساطة الكاتب بالعدل للرد على الطلب.
على أن القاضي لا يعد منكرأ للعدالة إذا كان تأخيره الفصل في الدعوى له ما يسوغه قانون، كما لو كانت الدعوى لم يتم تحقيقها بعد، أو كانت تثير مسائل معقدة تتطلب وقتا للتفكير في فصلها، أو لمرض أصاب القاضي.
ويمتنع على القاضي النظر في الدعوى من تاريخ الحكم بقبول المخاصمة شكلا، ويتابع النظر فيها إذا ردت دعوى المخاصمة موضوعة (م 478 أصول محاکمات).
4- نص القانون:
تقبل دعوی المخاصمة في الأحوال الأخرى التي يقضي فيها القانون بمسؤولية القاضي والحكم عليه بالتضمينات.
میعاد دعوى المخاصمة :
نص قانون أصول المحاكمات السوري الجديد علی میعاد رفع دعوى المخاصمة بالمادة /471/، بقولها “يحدد ميعاد تقديم دعوى المخاصمة بثلاث سنوات تبدأ من اليوم التالي التبليغ المدعي بالمخاصمة صورة مصدقة عن الحكم محل المخاصمة.”
على أنه يلاحظ إذا كانت المخاصمة بسبب إنكار العدالة فإن مدة التقادم لا تبدأ إلا بعد مضي ثمانية أيام من تاريخ إعذار القاضي، وليس من شأن دعوى انعدام الحكم المشكو منه أن يقطع التقادم بصدد دعوى المخاصمة.
شرح وملخص مخاصمة القضاة في القانون السوري pdf