كما أسلفنا عقد التأمين البحري هو عقد يجب أن يتوافر لانعقاده الأهلية والرضا والمحل والسبب كما أن له خصائص تميزه عن غيره من العقود.
أولاً- خصائص عقد التأمين البحري
1- عقد التأمين البحري عقد رضائي:
عقد التأمين البحري عقد رضائي بمعنى أنه ينعقد بمجرد أن يتبادل المؤمن والمؤمن له التعبير عن إرادتين متطابقتين.
ويشترط لصحة إرادة الطرفين خلوهما من عيوب الإرادة كالإكراه أو الغلط أو التدليس.
وقد اشترط المشرع كتابة عقد التأمين لضرورة اثباته، والكتابة هنا هي شرط اثبات وليست شرط انعقاد.
وقد جاء نص المادة /355/ ف1 من قانون التجارة البحرية صريحة في في ذلك فنص أنه:
“لا يجوز إثبات عقد التأمين البحري إلا بالكتابة”.
2- عقد التأمين البحري عقد ملزم لطرفيه:
إن عقد التأمين البحري هو عقد ملزم لطرفيه، فالتزام المؤمن له بدفع القسط يقابله قيام المؤمن بالتزامه بدفع التعويض عند تحقق الخطر المؤمن منه.
3- عقد التأمين البحري عقد تعویض:
التأمين البحري هو عقد تعويض فهو يهدف إلى جبر الضرر الذي يلحق المؤمن له من جراء تحقق الخطر، وهو ليس وسيلة لإثراء المؤمن له على حساب المؤمن، وفي ذلك تنص المادة /354/ من قانون 174 التجارة البحرية بأنه :
“يعتبر عقد التأمين البحري عقد تعويض. ولا يجوز أن يرتب عليه إفادة المؤمن له من تحقق الخطر بما يزيد عن القدر الحقيقي للضرر. ويبطل كل اتفاق يخالف ذلك”.
ويترتب على صفة التعويض في عقد التأمين البحري عدة نتائج أهمها:
1- يجب أن يكون من شأن تحقق الخطر إلحاق ضرر بالمؤمن له، وإلا انتفت مصلحته في التأمين،
ومن ثم يعد عقد التأمين باطلا. (المادة 359 من قانون التجارة البحرية).
2- لا يمكن جبر الضرر أكثر من مرة، وذلك عن طريق تعدد التأمينات لدى أكثر من مؤمن، بحيث يستوفي المؤمن له من المؤمنين تعويضا في حدود الضرر الذي لحق به، وبما لا يزيد عن قيمة الشيء محل التأمين (المادة 285 من قانون التجارة البحرية).
3- لا يجوز أن يزيد التعويض عن قيمة الشيء الهالك المؤمن عليه، فإذا أكر في وثيقة التأمين قيمة الشيء أكثر من قيمته الحقيقية وانتفى الغش والتدليس اعتبر العقد صحيحة في حدود قيمة الشيءالفعلية (المادة 284 ف2، المادة 370 ف1 من قانون التجارة البحرية).
4- ينتج عن كون عقد التأمين عقد تعويض أن التأمين البحري لا يرد إلا على الأموال دون الأشخاص.
4- التأمين البحري عقد إذعان
عقد التأمين البحري لا يبرم بناء على مناقشة حرة من الطرفين لشروطه، بل إن شركات التأمين عادة تفرض على المؤمن لهم شروطها في وثيقة مطبوعة، ولا يملك هؤلاء إلا قبولها دون أية مناقشة، ولهذا كان عقد التأمين من عقود الإذعان وكانت الحرية التعاقدية فيه محددة.
5- عقد التأمين البحري عقد احتمالي (غرر):
عقد التأمين عقد احتمالي بالنسبة إلى طرفيه. إذ هو يرد على أمر غير محق الوقوع وهو احتمال تحقق الخطر المؤمن منه.
والعقد الاحتمالي أو عقد الغرر : هو عقد لا يعرف فيه وقت انعقاده مقدارة أو مدى الغنم أو الغرم الذي سيصيبه المتعاقدان.
وهو كما عرفه الدكتور السنهوري بأنه:
“هو العقد الذي لا يستطيع كلا المتعاقدين أو أحدهما أن يعرف لحظة إبرام العقد مدى ما سيدفع ومدى ما سيحصل عليه من العقد، ولا يتحدد ذلك إلا في المستقبل تبعا الحدوث أمر غير محقق الحصول أو غير معروف وقت حصوله”.
وهو ما ينطبق على عقد التأمين حيث يوجد فيه عنصر الاحتمال في العلاقة ما بين المؤمن والمؤمن له بمعنی احتمال الكسب والخسارة للطرفين، فلا يعرف وقت إبرام العقد ما إذا كان الخطر المؤمن منه يستحق أم لا.
كالتأمين ضد المخاطر البحرية التي تعد مخاطر غير محققة الوقوع، وقد تسفر عن أن المؤمن له يدفع الأقساط المطلوبة منه دون أن يقع الخطر المؤمن منه، وبالتالي لا يلتزم المؤمن بأداء شيء للمؤمن له، أما إذا وقع الخطر فإن المؤمن يدفع للمؤمن له مبالغ تفوق ما يكون المؤمن له قد دفعه بشكل أقساط، فالخطر أو الضرر يلعب دورا هاما في تحقيق الغرم أو الغنم لطرف العقد.
ولما كان التأمين يقوم على أمر غير محقق هو احتمال تحقق الخطر، فإن هذا الخطر يصبح ركنة من أركان العقد يرتبط به وجودا وعدمة، وتبعا لذلك يجب أن يكون المال المؤمن عليه معرضة للخطر والا كان العقد باطلا لانعدام محله.
6- عقد التأمين البحري عقد تجاري :
علت المادة (6) من قانون التجارة رقم 33 لعام 2007 بعض الأعمال تجارية ومن بين ما ذكرته التأمين بأنواعه المختلفة”.
والتأمين البحري هو أحد أنواع التأمين وطبقا للمادة السادسة يعد من الأعمال التجارية وذلك من جانب المؤمن، لأن شركات التأمين والتي تقوم في هذا العقد بدور (المؤمن) إنما تهدف دائماً من وراء إبرام عمليات التأمين إلى تحقيق الربح.
أما بالنسبة للمؤمن له، فقد يكون تاجرة ويبرم عقد التأمين البحري لأمور تتعلق بتجارته.
وقد لا يكون المؤمن له تاجرة، وإنما قام بالتأمين لأعمال مدينة، كما لو أبرم التأمين على سفينة نزهة، أو على أمتعة مرسلة من جهة ما لأغراض غير تجارية. وطبقا لأحكام القواعد العامة فإن العقد هنا يتصف بالنسبة إلى المؤمن له بالصفة المدنية وهنا يكون لعقد التأمين الصفة المختلطة.
وبالتالي فإن التأمين البحري هو دائماً عملاً تجارياً بالنسبة إلى المؤمن الذي يسعى لتحقيق الربح من قيامه بعمليات التأمين.
أما بالنسبة للمؤمن له فإنه لا يكون تجارية إلا إذا كان تاجرا يقوم بهذا العمل لحاجات تجارته فيكون عملا تجارية بالتبعية تطبيقاً لنظرية الأعمال التجارية بالتبعية، وإذا لم يكن لحاجات العمل تجاري كان مدنية.
7- عقد التأمين البحري من عقود حسن النية:
مبدأ حسن النية من المبادئ التي تسري على جميع العقود، وقد أشارت نصوص القانون المدني في أكثر من موضع إلى ضرورة توفر حسن النية في العقود. فالمادة /149/ من القانون المدني توجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، بل إن المادة
2/149 من القانون المدني أشارت بأنه
“لا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام”.
وعليه يجب توافر حسن النية في العقد من لحظة الإنشاء وخلال تنفيذه. وينبني على هذا الاعتبار، التزام المؤمن له أن يقدم إلى المؤمن بيانات صحيحة وواضحة ودقيقة عن الخطر المؤمن منه، وكل كتمان في هذا الشأن يؤدي لإبطال العقد.
كما يلتزم المؤمن له بأن يتخذ كل الاحتياطات المناسبة لمنع تحقق الخطر أو للتخفيف من آثاره الضارة عند تحققه أو للمحافظة على حقوقه تجاه الغير إذا وقع الحادث بفعله.
8- عقد التأمين عقد مستمر:
عقد التأمين البحري من العقود المستمرة من حيث الزمان، ذلك أن العقد المستمر زماني: هو العقد الذي يكون التزام أحد الطرفين أو كليهما عبارة عن عدة أداءات مستمرة، ولما كان عقد التأمين كذلك، فهو يعد من العقود المستمرة لأنه من العقود التي تنفذ خلال مدة زمنية يتفق عليها الأطراف ومن ثم كان الزمن عنصرة جوهرية في تنفيذ الالتزامات الناشئة عنه.
ويبدو هذا واضحاً من التزامات كل من طرفيه، فالمؤمن له يلتزم بدفع الأقساط في فترات منتظمة خلال مدة العقد.
ويقابل ذلك التزام المؤمن بضمان الخطر المؤمن منه طيلة فترة التأمين المتفق عليه.
وكون عقد التأمين البحري عقد مستمر فهذا مؤداه إلى أنه إذا تخلف أحد الطرفين عن أداء التزاماته فإن العقدوقف أو يفسخ بدون أثر رجعي.
ثانياً- خصائص وثيقة التأمين العائمة (وثيقة الاشتراك)
الوثيقة العائمة (Floating Policy) يقصد بها – كما ذكرنا بأنها العقد الذي يتفق فيه على أن يضمن المؤمن كل البضائع التي يشحنها المؤمن له أو تشحن خلال فترة معينة وفي حدود مبلغ معين، ويطلق عليها اسم الوثيقة العائمة نظراً لأنها لا تتضمن منذ إبرامها تحديدا للبضاعة التي تغطيها، فهي تضع الشروط العامة للتأمين دون تفاصيل الشحنات التي يراد تغطيتها بالتأمين، حيث أن هذه التفاصيل لا تكون معلومة لدى المؤمن له عند إبرام عقد التأمين، ولذلك يتوجب على المؤمن له القيام بإعلان أو تصريح للمؤمن عن الشحنات الفردية بالسرعة اللازمة.
وهكذا لا يحتاج المؤمن له إلى تنظيم عقد مستقل بكل صفقة يشحنها أو يتلقاها وإنما يكفي أن يكون ثمنها ضمن حدود السقف المحدد للوثيقة العائمة وأن يكون الشحن قد تم أثناء فترة نفاذ هذه الوثيقة، ولذلك سميت هذه الوثيقة أيضا بوثيقة اشتراك، لأن المؤمن له يعتبر بمثابة مشترك لدى المؤمن.
وبذلك تتميز الوثيقة العائمة بالخصائص التالية:
أولاً: عدم تحديد البضائع المغطاة تحديدا دقيقا وقت العقد.
ثانياً: تكرار عمليات الشحن وتعددها.
ثالثاً: أن المؤمن يضمن وبصفة حتمية كل البضاعة التي تشحن في الظروف المتفق عليها مقدمة دون حاجة إلى إجراء جديد من أحد الطرفين. هذا وقد أوجب المشرع في المادة (407) قانون تجارة بحرية بأن تشتمل وثيقة التأمين العائمة على ما يأتي :
1- الشروط العامة المشتركة بين جميع الشحنات، وأقساط التأمين، وكذلك الحد الأعلى للمبلغ الذي يتعهد المؤمن بدفعه عن كل شحنة (المادة 1/407 من قانون التجارة البحرية).
2- الشروط الخاصة بالبضائع المؤمن عليها والرحلات والسفن، فتعينه بملاحق تصدر بمناسبة كل شحنة على حدة (المادة 407 /1).
وتعرضت الفقرة الثانية من المادة (407) تجارة بحرية، للشحنات التي تشملها وثيقة التأمين العائمة والتي يلزم المؤمن بقبول التأمين عليها، وقد فرقت بين نوعين منها:
أ- الشحنات التي تتم لحساب المؤمن له شخصية أو تنفيذا لعقد يلزمه لإجراء التأمين، وهذه الشحنات يشملها التأمين تلقائية من وقت تعرضها للخطر المؤمن منه بشرط أن يقدم المؤمن له إخطارا عنها في الميعاد المحدد بالعقد (المادة 407 / 2).
ب- الشحنات التي تتم لحساب الغير ويكون للمؤمن له مصلحة فيها بوصفه وكيلا بالعمولة، أو أمينة على البضائع أو غير ذلك من الصفات، وهذه الشحنات لا يسري عليها التأمين إلا من وقت إخطار المؤمن له للمؤمن عن الشحنات التي تتم بموجب الوثيقة العائمة.
وهنا تثار مسألة إذا تم الإخطار ولكن بعد وقوع الخطر المؤمن منه ولكن ضمن المدة المحددة في الوثيقة.
فنجد أن المادة 409 من قانون التجارة البحرية قد عالجت هذه المسألة وذلك عن طريق إلزام المؤمن له بإخطار المؤمن خلال خمسة أيام من تاريخ تسلمه للبضائع بوجود تلف أو عيب في البضاعة وإلا افترض المشرع بأن المؤمن قد تسلمها سليمة خالية من العيوب وهذه القرينة هي قرينة قابلة لإثبات العكس.
وحسناً فعل المشرع السوري بوضع جزاء رادع للمؤمن له في حالة مخالفته الالتزام بإخطار المؤمن بالشحنات التي يعقدها، فسمح للمحكمة بناء على طلب المؤمن فسخ العقد دون مهلة مع استيفاء المؤمن – على سبيل التعويض – أقساط التأمين الخاصة للشحنات التي يخطر بها المادة 1/408) من قانون التجارة البحرية.