مقدمة حول سلطات الضابطة العدلية
نصت المادة /6/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ما يأتي:
“موظفو الضابطة العدلية مكلفون استقصاء الجرائم وجمع أدلتها والقبض على فاعليها وإحالتهم على المحاكم الموكول إليها أمر معاقبتهم”.
يتبين من هذه المادة أن المشرع لم يحدد الإجراءات التي يمكن اتخاذها من قبل الضابطة العدلية على سبيل الحصر.
فالعبارات التي وردت في هذه المادة جاعت عامة، ولا يجوز الأخذ بهذه الألفاظ الظاهرة لأنها لا تتوافق مع الأصول المتبعة والتي تقيم حدا بين الضابطة العدلية والتحقيق الابتدائي. فأعمال الضابطة العدلية محصورة في الإجراءات التي تسبق الملاحقة الجزائية.
وهي الإجراءات التي تقوم بها من جمع للأدلة والاستقصاءات التي تساعد في إزالة الغموض المحيط بالجريمة وكشف الحقيقة، وتمكن النيابة العامة من اتخاذ القرار المناسب بشأن إقامة الدعوى العامة أو حفظ الأوراق.
فالضابطة العدلية ليست هي التي تحيل المدعى عليهم إلى المحاكم، لأن ذلك من اختصاص قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق.
لكن مهمة الضابطة العدلية في جمع الأدلة تختلف حسب كون الجريمة التي ارتكبت جريمة عادية، أم جريمة مشهودة.
فالمشرع عدد الواجبات الملقاة على عاتق الضابطة العدلية بصفة عامة، ثم وسع من نطاق تلك الواجبات عندما يكون من المصلحة اتخاذ بعض الإجراءات في الوقت المناسب من قبل الضابطة العدلية. وفي جميع الأحوال لابد من أن نميز حالتين:
أولا: أن لا يكون التحقيق قد بدأ في القضية، فهذا يقوم أعضاء الضابطة العدلية باستقصاء الجريمة، وجمع أدلتها، والبحث عن فاعليها، وهذا ما أطلقنا عليه اسم التحقيق الأولى.
ثانيا: أن يكون التحقيق القضائي قد بدأ في القضية، وهنا تنحصر اختصاصات الضابطة العدلية في تنفيذ الأوامر أو الإنابات التي يتلقونها من القاضي المحقق.
سلطات الضابطة العدلية في التحقيق الأولى
تمارس الضابطة العدلية سلطاتها عن طريق إحدى الطرق التالية:
1- إما بتدخل عفوي من قبل شخص ثالث يخبرها بوقوع جريمة، وهذا ما يعرف بالإخبار .
2- أو عندما تقدم شكوى من المجني عليه إلى أفراد الضابطة العدلية يعلمها بوقوع جريمة.
3- أو بعمل عفوي من عضو الضابطة العدلية عند مشاهدته لجريمة أو بعد وصول علمها إليه واستقصائه عنها.
4- أو بإنابة من سلطة قضائية أو النيابة العامة في الأحوال المكلفة فيها بالتحقيق.
أ- تلقي الإخبارات
الإخبار: الإخبار بمعناه الواسع هو نقل نبأ وقوع جريمة إلى سمع الضابطة أو القضاء، وبمعناه الدقيق أن يروي شخص لم يحل به ضرر الجريمة نبأها إلى الضابطة العدلية أو القضاء أي إن الإخبار عموما يصدر عن أي شخص سواء كان شاهدا على الجريمة أم عالما بها.
بمعنى أنه يكون من شخص رسمي أو شخص عادي لم تقع عليه الجريمة.
والإخبار ليس له شكل معين وإنما كل ما اشترطته المادة (27) من قانون أصول المحاكمات الجزائية هو:
1 – أن يكون هذا الإخبار خطية يحرره صاحبه أو من ينيبه عنه بموجب وكالة خاصة، ويجوز أن يحرره النائب العام إذا طلب إليه ذلك، ويوقع كل صفحة من صفحاته النائب العام والمخبر أو وكيله.
2- إذا كان المخبر أو الوكيل أمية، فيستعاض عن توكيله ببصمة إصبعه، واذا تمنع فيشار إلى ذلك .
3- ترفق الوكالة بورقة الإخبار، وللمخبر إذا شاء أن يستخرج على نفقته صورة عن إخباره بتلقي الشكاوي
ب – الشكوى :
هي إعلام خطي يقدمه المجني عليه الذي وقعت عليه الجريمة، سواء تضرر منها أم لم يتضرر، إلى الضابطة العدلية يعلمها فيه بالاعتداء الذي تعرض له والواقع إما على جسده أو ماله أو سمعته.
والفرق بين الشكوى والإخبار هو أن الشكوى تصدر من الشاكي الذي وقعت عليه الجريمة، أما الإخبار فيصدر من الشخص الذي لم تقع عليه الجريمة وإنما شاهدها أو علم بها. ولابد من أن تتوافر في الشكوى الشروط التالية:
1- أن يكشف الشاکی عن نفسه ولا يقبل منه أن يتستر تحت شكوى مغفلة.
2- أن يبين الفعل الجرمي الذي وقع عليه.
3- أن تكون الشكوى خطية وينظمها الشاكي بنفسه أو بواسطة وكيله بموجب وكالة خاصة، أو النائب العام إذا طلب منه ذلك. مع مراعاة الأحكام الواردة في المادة 27 من قانون أصول المحاكمات جزائية والمطبقة على الإخبار .
وفي جميع الأحوال فإن المشرع فيما يتعلق بالإخبار أو بالشكوى لم يحدد وقتا لتقديمهما، إلا أنه من المستحسن أن يقدما حال وقوع الجرم على الشاكي أو بعد علم المخبر بالجريمة، حتى تستطيع الجهات المختصة أن تضبط بشكل سريع مرتكب الفعل الجرمي وتقوم بجمع الأدلة الصحيحة، وعلى عضو الضابطة العدلية عندما يقدم إليه الإخبار أو الشكوى أن يحيله بلا إبطاء إلى النيابة العامة.
ج- الاستقصاء عن الجرائم
الاستقصاء يعني “البحث عن جريمة قد تكون وقعت، إما بناء على شكوى أو إخبار عادي، أو بناء على تكليف من النيابة العامة، أو بناء على معلومات وصلت إلى رجل الضابطة العدلية من أي مصدر كان فأعمال الاستقصاء هدفها الكشف عن كافة الظروف والملابسات التي ارتكبت فيها الجريمة، والبحث عن كافة المعلومات الخاصة بها وبالمجني عليه فيها، كتحديد وقت ومكان وقوعها والوسائل التي استخدمت في ارتكابها.
ولعضو الضابطة العدلية أن يستعين بكافة الوسائل والطرق المشروعة للكشف عن الجريمة، شريطة عدم مخالفة القانون، فلا يجوز له التعرض للحرية الشخصية للأفراد أو لحرمة المساكن أو اللجوء إلى الأساليب غير المشروعة مثل استراق السمع والتجسس من ثقوب الأبواب، أو تسجيل الأحاديث عن طريق وضع آلات تسجيل الصوت خفية في مكان خاص، أو تسجيل المخابرات الهاتفية والاطلاع على البرقيات والرسائل، لما في ذلك من خرق لحرمة الحياة الخاصة للمشتبه به.
ولكن ليس ما يمنع من وضع الات تسجيل أو استراق السمع في الأماكن العامة، فهذه تعد وسائل مشروعة لجمع المعلومات عن الجرائم، لأن ما يقال في الأماكن العامة لا يعد سراً يجب المحافظة عليه، ولا ينطوي على اعتداء على الحياة الخاصة للناس.
كما أن عمل رجل الضابطة العدلية يكون صحيحة إذا تظاهر بأنه مدمن مخدرات و يرغب في شراء كمية منها، ليقبض على الفاعل، ولكن يصبح عمله باطلاً إذا خلق جريمة من عدم، كأن يأتي رجل الضابطة إلى شخص ويصور له ربحاً من جريمة يقترفها ويقنعه بها، وعندما يقع في الشرك يداهمه، فهنا يكون رجل الضابطة هو الذي خلق الجريمة بطريق الغش والخداع والتحريض على ارتكابها، فلولاه لما كان في نية مقترفها ارتكابها، فإجراء القبض يكون باطلاً هنا لأنه وليد عمل غير مشروع، ويسأل عضو الضابطة العدلية عن التحريض أو التدخل في الجريمة حسب الأحوال.
كما أنه ليس هناك ما يحول دون الاستعانة بالكلاب المدربة للمساعدة في اكتشاف الجرائم والمجرمين. ويكون ذلك على سبيل الاستدلال لأن هذه الحيوانات تعمل بغرائزها وحدها ولا يمكن الاطمئنان إلى نتيجة دلالتها.
ولكن يكون عمل عضو الضابطة العدلية باطلا إذا عمد إلى استخدام العقاقير المخدرة، واستخدام جهاز الكذب، واللجوء إلى التنويم المغناطيسي، لأن ما يصدر عن المشتبه فيهم تحت تأثير هذه الإجراءات لا يمكن الاعتماد عليه لأنه يكون خليط من الذكريات والأحاسيس والرغبات المكبوتة، إضافة إلى أنه في مثل هذه الإجراءات اعتداء على أسرار الإنسان وحياته الخاصة. لذلك فكل اعتراف أو إقرار ناتج عن هذه الإجراءات يكون باطلا وغير مشروع، فهو بعيد كل البعد عن الموضوعية.
د- جمع الأدلة
حتى يتمكن أعضاء الضابطة العدلية من القيام بواجبهم في مرحلة التحقيق الأولى وهو التثبت من وقوع الجريمة والكشف عن الفاعلين، لابد لهم من جمع المعلومات المتعلقة بهذه الجريمة، ويكون ذلك عن طريق الذهاب إلى مكان الجريمة أو أي مكان آخر من أجل إجراء المعاينات اللازمة وضبط الأشياء التي تدل على اقتراف الجريمة، كالأسلحة والبصمات واتخاذ كل الوسائل التحفظية اللازمة للمحافظة على أدلة الجريمة، ولهم الاستماع إلى المشتبه بهم وأخذ أقوال الشهود والاستعانة بأهل الخبرة من أطباء وغيرهم وطلب رأيهم شفهية أو كتابياً، لكن لا يجوز لهم تحليف الشهود أو الخبراء اليمين القانونية.
كذلك فإن ما لا يجوز لعضو الضابطة العدلية أن يفعله أثناء جمع الأدلة هو إصدار مذكرة إحضار للمشتبه به أو للشاهد، وإنما استدعاؤه بالطريق الإداري أو بأي طريق ممكن، فإذا تمنع عن الحضور فما عليه إلا أن يشير إلى ذلك في الضبط الذي نظمه.
كما يمتنع على عضو الضابطة العدلية تفتيش الأماكن المسكونة أو الأشخاص لأن تفتيشها من إجراءات التحقيق الابتدائي ..
ه- تنظيم الضبوط
بعد أن يقوم عضو الضابطة العدلية بالاستقصاء عن الجريمة المرتكبة وجمع المعلومات حولها، لابد له من أن ينظم ضبطأ بكل الإجراءات التي قام بها وبكل ما رأه وما سمعه. فالضبط الذي يقوم بتنظيمه يثبت فيه جميع المعلومات التي حصل عليها وكل الإجراءات التي قام بها، ولكي يكون للضبوط التي ينظمها أعضاء الضابطة العدلية القوة الثبوتية التي خصها القانون بها، لابد من أن يتوافر فيها شرطان:
الشرط الأول يتعلق بمنظم الضبط، والشرط الثاني يتعلق بالضبط ذاته.
خاصة أن هذه الإجراءات التي قام بها عضو الضابطة العدلية ستكون الأساس الذي تستند إليه النيابة العامة من أجل إقامة الدعوى العامة أو حفظ الأوراق.
أ- الشروط التي يجب أن تتوافر في منظم الضبط
1- أن يكون هذا الضيط قد نظم من أحد موظفي الضابطة العدلية وفي حدود اختصاصه من حيث المكان والنوع وأثناء قيامه بوظيفتها.
2- أن يحلف عضو الضابطة العدلية اليمين القانونية قبل مباشرته لمهام عمله، ويتم ذلك مرة واحدة، وليس من الضروري حلفها مرة أخرى عند نقله من منطقة إلى أخرى.
وتؤدي اليمين أمام المرجع المعين لسماعها قانونا، فالقضاة يقسمون اليمين أمام محكمة الاستئناف المدنية الأولى العاملين في منطقة اختصاصها.
أما ضباط الشرطة فيؤدون اليمين أمام وزير الداخلية عند بدء تعيينهم وقبل استلامهم أعمالهما
3- أن يكون مرتدية الملابس الرسمية عند ممارسته لأعمال وظيفته.
أما إذا لم يكن له لباس خاص فهو ملزم بالتعريف عن نفسه بصورة جلية، عن طريق إبراز البطاقة الخاصة التي يحملها.
ب – الشروط التي يجب أن تتوافر في الضبط
1- ألا يتضمن الضبط إلا الوقائع المادية فقط أي كل ما جرى أو قيل بحضور عضو الضابطة العدلية وكل ما رأه وما سمعه، فلا يجوز له بيان رأيه الشخصي والقيام بتحليل الوقائع.
2- أن ينظم الضبط باللغة العربية، وضمن المدة القانونية المحددة، فإذا لم يحدد القانون مدة، فأن يتم تنظيم الضبط في أسرع وقت ممكن حفاظا على سلامة الإجراءات .
3- أن يكون موقع ومؤرخا عليه من قبل من حرره، وتحفظ نسخة منه في سجل خاص حتى لا يكون عرضة لأي تبديل أو تغيير.
4- أن تراعى الحدود والأشكال المقررة لكيفية أداء بعض الإجراءات عند تحرير المحضر.
سلطات الضابطة العدلية الاستثنائية
الأصل أن وظيفة الضابطة العدلية كما رأينا جمع المعلومات والاستقصاء للكشف عن الجريمة وفاعلها. ومع ذلك فقد أعطى المشرع لموظفي الضابطة العدلية وبصفة استثنائية اتخاذ بعض الإجراءات الجبرية والماسة بالحرية في بعض الأحوال لما تفرضه ضرورة الموقف من اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية من أجل جمع الأدلة قبل أن تمتد إليها يد العبث، وهي حالة الجرم المشهود، حيث منح المشرع لرجال الضابطة العدلية الحق في مباشرة قدر كبير من إجراءات التحقيق الابتدائي، كما أجاز ندب بعض رجال الضابطة العدلية وإنابتهم من قبل سلطة التحقيق المباشرة إجراء معين أو أكثر من إجراءاته..