الأراضي الأميرية اصطلاح ظهر حين أقرّت المشيخة الإسلامية في الدولة العثمانية القانون الخاص بها.
والأصل في هذه الأراضي أنها أراضٍ فُتحت في عهد سيدنا عمر من أراضي الشام ومصر والعراق ” أراضي السواد “، وقد تُركت صلحاً في يد مالكيها من سكان البلاد الأصليين على أن يدفعوا خراجها للدولة الإسلامية، وبقيت ملكاً لهم بدون منازع، يملكونها ويتصرفون فيها حسب مصالحهم، وذلك دون اعتراض من الأفراد أو الدولة، واشتراها المسلمون وتوارثوها حسب نظام الإرث الإسلامي بإقرار الدولة الإسلامية على مرّ العصور.
ثم حصل النزاع عليها أثناء حكم العثمانيين، فالبعض اعتبرها وقفاً للمسلمين وهي في يد المتصرفين فيها مقابل أجرة يدفعونها للدولة تمثل خراجها، واعتبرها آخرون ملكاً لأصحابها بتمليك سيدنا عمر وتأخذ الدولة ضريبة هي الخراج ولأصحابها حق بيعها وتوارثها كباقي الأموال، ومنهم من قال أنها ملك للدولة ويملك أصحابها التصرف فيها على سبيل الأجرة التي هي خراجها.
وقد تناول فقهاء المذاهب موضوع أراضي السواد ( وهي الأراضي الأميرية اليوم ) بالبحث والدراسة وبينوا آراءهم وهاأنذا أعرضها بحسب كل مذهب:
1ً- قال الحنفية:
إن أراضي السواد هي ملك لأصحابها بتمليك عمر لهم إياها عند فتحها، وأما ما يدفعونه من ضريبة فهو الخراج الذي توظفه الدولة لإتمام مصالحها وبنائها، فلمالكيها بيعها وشراؤها وتوارثها وهذا ما ذكرته كتبهم الفقهية ومنها كتاب بدائع الصنائع للكاساني الذي جاء فيه:
( يجوز بيع أراضي الخراج والمزارعة والإجارة، والمراد من الخراج أرض سواد العراق التي فتحها سيدنا عمر ….فكانت مبقاة على ملكهم فجاز لهم بيعها وقال صاحب مجمع الأنهر: ( وأرض السواد مملوكة لأهلها .. خلافاً للشافعي )
وقال ابن عابدين في رد المحتار وقد سمعت التصريح في المتن بأن أرض سواد العراق مملوكة لأهلها يجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها، وكذلك أرض مصر والشام، وهذا على مذهبنا ظاهر ).
وقال أيضاً: ( وأرض السواد مملوكة لأهلها يجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها وعند الأئمة الثلاثة هي موقوفة على المسلمين، فلم يجز بيعهم..)
2ً- وذهب الشافعية
إلى أن أرض السواد وقف للمسلمين ( لا تباع ولا تشرى ولا تورث ) وهي في يد أصحابها على سبيل الإجارة، وما يدفعونه للدولة من خراج هو أجرتها.
وذكر النووي في مجموعه خلافاً في ذلك فقال:
” واختلف أصحابنا فيما فعل عمر فيما فتح من أرض السواد؛ فقال أبو العباس وأبو إسحاق (وهما من فقهاء الشافعية): باعها من أهلها وما يؤخذ من الخراج ثمن وليس أجرة، والدليل عليه أنه من لدن عمر إلى يومنا هذا تباع وتبتاع من غير إنكار.
وقال أبو سعيد الاصطخري: وقفها عمر على المسلمين فلا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا هبتها ولا رهنها، وإنما تنقل من يد إلى يد وما يؤخذ من الخراج فهو”ك أجرة” ويفهم من قول النووي أن الشافعية اختلفوا على قولين: أحدهما يعتبرها وقفاً لا تباع ولا تشرى ولا تورث والثاني: أنها ملك لأهلها لهم بيعها وشراؤها وتوريثها، وما يؤخذ من الخراج هو ثمن.
3ً- وأما مذهب المالكية:
فقد جاء في المغني والشرح الكبير:” إلا أن يحكم ببيعها حاكم أو يفعله الإمام أو نائبه فتثبت الشفعة” وهذا الاستثناء من أصل قولهم بأنها وقف للمسلمين، فإذا حكم الحاكم بثبوت الشفعة فيها فقد ثبت جواز الشراء والبيع لأنها تابعة لها.
وأما فيما يتعلق بقانون انتقالات الأموال غير المنقولة الصادر في العهد العثماني فقد نص أن يعطي ولي الأمر حق التصرف بهذه الأراضي بدون ملكية الرقبة وينتقل حق التصرف هذا إذا توفي المتصرف ذو اليد إلى الأولاد وأحد الزوجين بنسبة تختلف عن الإرث، فالأولاد يتساوى الذكور والإناث.
وقد خرّجت المشيخة العثمانية هذا القانون تخريجاً شرعياً باعتبار أن هذا الانتقال ليس إرثاً ليكون مخالفاً للإرث الشرعي، وإنما هو انتقال التصرف في أرض لا تزال رقبتها ملكاً للدولة، ولم تدخل في ملك الأفراد، وقد رأى ولي الأمر بهذا القانون أن يتساوى الأولاد ذكوراً وإناثاً لأنهم يعملون مع آبائهم وأمهاتهم في الأراضي الزراعية بصورة متساوية، فرأي ولي الأمر في ذلك مقبول شرعاً حينها، وهو مبني على المصلحة العامة.
وهذا القانون إنما صدر في وقت كانت الأراضي فيه خارج العمران وتستخدم للزراعة ويعمل الوارث مع مورثه قبل وفاته.
أما اليوم فكثير من هذه الأراضي قد دخلت أو قاربت العمران ولم تعد أراضٍ زراعية وإنما أصبحت للتجارة أو للبناء وتساوي قيماً مالية ضخمة.
حتى إن المرسوم الصادر عام 1949 بخصوص سقوط حق التصرف فيها إذا لم تُحرث أو تُستعمل مدة خمس سنوات لا يكاد يكون ساري المفعول عملياً، والأراضي غير المستعملة و غير المحروثة مدة طويلة من الزمن تبقى في ملك أصحابها ولا يسقط حق تصرفهم فيها.
وبناءً على ما سبق من تفصيل فالراجح لدي هو قول الحنفية في أن الأراضي الأميرية ملك لأصحابها الذين يملكونها الآن، ولهم بيعها وإيجارها وتوارثها كأي ملك آخر، وذلك لأن هذا القول قد أخذ به عدد من الفقهاء إضافة للحنفية، وهو أحد قولين عند الشافعية، وهو ما يفهم من ثبوت الشفعة في هذه الأراضي عند الحنابلة.