يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام
إن المصالح التي رعتها الشريعة الإسلامية على ثلاث مراتب :
ضرورية وحاجية وتحسينية وكل مرتبة من هذه المراتب تنقسم إلى مصالح عامة ومصالح خاصة، فتكون الدرجات ستاً. فإذا تعارض مصلحتان قدّم العام على الخاص عند التساوي في المرتبة، فإذا اختلفت المرتبة قدم الضروري على الحاجي، والحاجي على التحسيني. ومن ذلك يتبين أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، بل هي مقيدة بالاتحاد في المرتبة.
من الأمثلة على ذلك : إذا ضاقت سنة بالناس حتى جاعوا جوعاً شديداً مؤلماً ولو كان لا يخشى معه الهلاك عليهم – وكان في البلد من يمتلك من الطعام زائداً عن حاجته إليه، فإنه يجبر على بيعه للجائعين؛ لأن إجباره إهدار حرمة ملكيته وهي ضرر حاجي خاص والإبقاء على جوع الجائعين ضرر حاجي عام، والحاجي العام مقدم على الحاجي الخاص.
فلو كانت حاجة الناس إلى طعامه بسيطة لتوفر أنواع أخرى بديلة، لم يُجبر على بيع الطعام الذي عنده؛ لأن إهدار ملكه هنا حاجي خاص والإبقاء على مصلحتهم العامة البسيطة تحسين عام، والحاجي أولى بالرعاية من التحسيني.
وكذلك لو كان صاحب الطعام مضطراً إليه لدفع الهلاك عن نفسه فإنه لا يُجبر على بيعه ؛ لأن امتلاكه له في هذه الحال ضروري خاص، وهو أولى من الحاجي العام أو التحسيني العام.
ومنها : جواز الحجر على السفيه الذي يعمل باتباع هواه بخلاف موجب الشرع، ويعتاد التبذير والإسراف لا لغرض، أو لغرض لا يعتد به العقلاء من أهل الديانة، وهو قول الصاحبين وعليه الفتوى ؛ لأن إطلاق يده في أمواله مصلحة حاجية خاصة، وعدم إرهاق ذويه بالإنفاق عليه فيما بعد مصلحة حاجية عامة، فتقدم العامة على الخاصة.
ومن رأى أن الإنفاق عليه من أقاربه بعد تبديد أمواله مصلحة تحسينية عامة لا يرى الحجر عليه.