قتل الموظف أثناء ممارسته وظيفته أو بسببها
ليس الهدف من تشديد العقاب هنا منح شخص الموظف هذه الحظوة.
فالقانون يحمي أرواح الناس دون تمييز بينهم في الصفات أو الوظائف.
وإنما يجد التشديد علته في حرمة الوظيفة العامة، تلك الوظيفة التي تعكس هيبة الدولة. فالتشديد إذن لا يهدف إلى حماية شخص الموظف بل حماية حرمة وظيفته.
ولا بد لتوافر ظرف التشديد في هذه الحالة أن يتوفر عنصرين:
. أن يكون المجني عليه موظفاً .
أن يقتل الموظف أثناء ممارسته لوظيفته أو بسببها
العنصر الأول- أن يكون المجني عليه موظفاً
يعطي القانون الجزائي للموظف معنى أوسع وأشمل من المعنى الذي يعطيه له القانون الإداري.
فللموظف في القانون الإداري معناً ضيقاً بكونه الشخص الذي يمارس عملاً دائماً في إحدى ملاكات الإدارة العامة.
أما المشرع الجزائي فلقد أعطى للموظف مدلولاً واسعاً عندما عرفه في المادة 340 من قانون العقوبات، تحت باب الجرائم الواقعة على الإدارة العامة ونصها “يعد موظفا بالمعنى المقصود في هذا الباب كل موظف عام في السلك الإداري أو القضائي، وكل ضابط من ضباط السلطة المدنية أو العسكرية أو فرد من أفرادها، وكل عامل أو مستخدم في الدولة أو في إدارة عامة .
والملاحظ أن المشرع أراد أن تكون الألفاظ الموظف العام والمستخدم والعامل دلالات واسعة ومعاني عامة تجعلها صالحة لأن تشمل كل من تنيط الدولة به عملا من أعمالها، أو تعهد إليه بمهمة دائمة أو مؤقتة، بأجر أو تعويض، ويعين بقرار أو بعقد، موظفا كان أم مستخدما أم عاملا.
ولا ريب أن معنى الموظف الوارد في المادة 340 لا يقتصر فقط على النصوص القانونية الخاصة بالجرائم الواقعة على الإدارة العامة، وإنما يشمل أيضا، لاتحاد العلة، حكم الفقرة الرابعة من المادة 534، الخاصة بتشديد القتل الواقع على موظف.
العنصر الثاني – أن يقتل الموظف في إحدى حالتين:
الأولى: أثناء تأديته لوظيفته
الثانية: بسبب وظيفته.
الحالة الأولى:
عندما يقع القتل على الموظف وهو يؤدي واجبات وظيفته، بصرف النظر عن الدافع لارتكاب القتل، سواء كان بسبب عمل من أعمال الوظيفة: كما لو أقدم شخص على قتل قاض على منصة الحكم، أو قتل شرطي يلاحقه للقبض عليه ؛
أو كان لسبب خارج عن أعمال الوظيفة: كما لو أقدم الفاعل على قتل الموظف بدافع العداوة الشخصية أو الحقد أو الكراهية أو الانتقام الشخصي، أو لأي سبب خارج عن إطار الوظيفة التي يشغلها الموظف.
والملاحظ في هذه الحالة أن العبرة بالتشديد هو للزمن الذي قتل به الموظف.
فعندما يقع القتل على الموظف في وقت كان يقوم به بعمل من أعمال وظيفته تتحقق علة التشديد، بصرف النظر عن الدافع للقتل، سواء تعلق بالوظيفة أم لا، وبصرف النظر عن المكان الذي يؤدي به الموظف عمله، سواء كان في دائرته الرسمية أم في أي مكان آخر يقوم فيه بمهمة تتعلق بعمله:
كقتل شرطي يقوم بدورية في شارع من شوارع المدينة، وسواء قام بمهمته أثناء الدوام الرسمي أو بعده:
كقتل موظف في مكان عمله ليلا، بعد الدوام الرسمي، وهو يقوم بانجاز بعض الأعمال المتراكمة عليه، وسواء كان يرتدي بزته أو لباسه الرسمي عند الاعتداء عليه أم لا:
كقتل رجل أمن متخف بلباس مدني يلاحق قضية مخدرات
الحالة الثانية:
عندما يقع القتل على الموظف، خارج أوقات ممارسة الوظيفة، ولكن الأمر يتعلق بها، أي بسبب وظيفته. كما لو رفض الموظف إعطاء رخصة حمل سلاح لأحد الأشخاص، أو تأخر أو ماطل في إنجاز معاملته، فقام هذا الشخص بقتل الموظف في الطريق أو في بيته.
أو إذا قام شخص بقتل قاض بعد خروجه على التقاعد، وذلك بسبب حكمه عليه بعقوبة جزائية عندما كان على رأس عمله.
فكما هو ملاحظ في هذه الحالات أن القتل لا يقع بذات الزمن الذي يمارس فيه الموظف وظيفته، وإنما في زمن لاحق، ولكن بشرط أن يكون سبب القتل ناجماً عن عمل من الأعمال التي قام بها الموظف.
وتجدر الإشارة أنه لابد لإعمال ظرف التشديد في هذه الحالة أن يكون القاتل على علم بالعنصرين الواجب تو فراهما، أي علمه بأن فعله يقع على موظف، أثناء ممارسته لوظيفته، أو في معرض ممارسته لها أو بسببها.
فإذا انتفى علمه انتفى تبعاً لذلك ظرف التشديد.
فقيام شخص بقتل موظف وهو يجهل صفته أو يجهل أنه يقوم بعمل من أعمال وظيفته، أو بقتله خارج الوظيفة بسبب خلاف شخصي لا علاقة له بالوظيفة، لا مجال لتشديد العقاب عليه، وان كان المجني عليه موظفاً.
والسؤال الذي يتبادر هنا هو: هل تنتفي الحكمة من التشديد إذا أقدم الفاعل على قتل موظف تجاوز حدود سلطته أو اختصاصه، أو قام بعمل غير مشروع متجاوزا به الحدود الذي رسمها له القانون؟
کون عمل الموظف مشروعاً أو غير مشروع، لاسيما وأن الحكمة من التشديد تستمد من الوظيفة وليس من شخص الموظف.
أضف إلى ذلك أن بإمكان أي شخص اللجوء للطرق القانونية للشكوى، أو لإبطال الأعمال الغير مشروعة التي يتجاوز بها الموظفون حدود اختصاصاتهم، سواء كان إبطالاً إدارياً أو قضائياً، والتعويض عن الضرر الناشئ عن هذه الأعمال .
إلا أن لهذه القاعدة استثناء يتعلق بمدى فداحة أو خطورة العمل غير المشروع.
فعندما يكون العمل الوظيفي الذي قام به الموظف مخالفة للقانون بشكل فاضح، عندئذ يفقد الموظف صفته ويعتبر كالفرد العادي.
كمن يقتل شرطية يقتحم منزله ليلا دون إذن شرعي يخوله ذلك، أو من يقتل موظفاً بادره بالاعتداء عليها دون وجه حق، بحيث بلغ الاعتداء درجة من الخطورة أفقدت القاتل أعصابه وألهبت غضبه.
فعمل الموظف في هذين المثالين بلغ فيهما انعدام المشروعية حدا جعله منقطع الصلة بواجبات الوظيفة وأعمالها، وخارجا خروجاً تاماً على مقتضياتها.