تحديد الخطر والأخطار المستبعدة من التأمين
يعد الخطر عنصراً أساسياً في التأمين وهو المحل الرئيس لعقد التأمين. لذلك لابد في عقد
التأمين من تحديد الخطر المؤمن تحديداً دقيقاً. والأصل أن تحديد الخطر المؤمن يعود إلى طرفي العقد وفقاً لمبدأ حرية الإرادة، والعقد شريعة المتعاقدين.
إلا أن هنالك بعض الأخطار التي تستبعد من التأمينويكون استبعادها إما قأنوناً أو اتفاقاً،
بالإضافة إلى تدخل المشرع في إبطال بعض الشروط التي عدها خطيرة تتحيف جانب المؤمن، فجميعها باطلة لمخالفتيا للنظام العام.
لذلك لابد لنا من أن نستعرض تحديد الخطر المؤمن ومن ثم الخطر المستبعد.
أ- تحديد الخطر المؤمن:
المبدأ: هو أنه عندما يبرم عقد التأمين، فان تحديد الخطر أو الأخطار المؤمنة يعود إلى طرفي العقد تحديد شركة التأمين الضمان الذي تعد به المؤمن إذن يحدد طرفا عقد التأمين،
وفقاً لمبدأ حرية الإرادة وبرضائهما. محل العقد نفسه، فهما اللذان يحددان الخطر المغطى.
فقد يؤمن شخص من خطر معين كالحريق أو السرقة، أو من جميع الأخطار التي قد تنشأ من لمارسة نشاط معين كالأخطار التي تنشأ عن ممارسة مهنة الطب أو الهندسة.
وللمتعاقد الحرية، في حدود النظام العام والاداب العامة، في تعيين الخطر الذ ي أراد تأمينه وبشكل عام يتحدد الخطر بتحديد طبيعته، وتحديد المحل الذي يقع عليه.
فالخطر في التأمين من الحريق يتحدد بتحديد طبيعته وهي الحريق، وبتحديد المحل الذي يقع عليه وهو المنزل أو البضائع أو أي شيء آخر أمن عليه من الحريق.
وتحديد الخطر بحسب طبيعته يحتمل التخصيص و التعميم. والغالب تخصيص الخطر،
فيحدد خطر واحد كالحريق، أو أخطار متعددة تتحدد على وجو التخصيص كالتأمين على السيارة من السرقة والحريق والمسؤولية عن الحوادث.
وقد يعمم الخطر، كما هي الحال في التأمين من جميع الأخطار التي تنجم عن نشاط معين،
ففي التأمين البحري يؤمن على البضائع من الغرق والانفجار والحريق والتصادم والقرصنة وسائر حوادث الملاحة.
وتحديد الخطر بحسب محله يحتمل أن يكون المحل معيناً وقت التأمين، ويحتمل أن يكون المحل غير معين إلا وقت وقوع الخطر،
وهذا ما بيناه في الخطر المعين والخطر غير المعين وقد يتحدد الخطر أيضاً بسببه، فيكون الخطر إما مع مطلق السبب أو محدد السبب.
فالخطرمطلق السبب هو الخطر الذ يغطيه التأمين أياً كان سببه، كالتأمين من الحريق أو من الحوادث أياً كان سبب الحريق أو سبب الحادث.
والخطر محدد السبب هو الخطر الذي لا يغطيه التأمين إلا إذا كان ناشئاً عن سبب أو أسباب معينة وهذا هو التحديد الإيجابي،
أو الخطر الذي يغطيه التأمين مالم يكن ناشئاً عن سبب أو أسباب معينة وهذا هو التحديد السلبي.
فالتحديد الإيجابي للسبب مثله التأمين على الحياة إذا كان الموت موتاً طبيعياً.
أما التحديد السلبي للسبب فمثله في التأمين على الحياة أن يغطي التأمين الموت بأسبابه كافة، إلا ما كان راجعاً إلى الانتحار أو تنفيذ الحكم بالإعدام،
كذلك في التأمين من الحريق أن يغطي التأمين الحريق الناش من أي سبب، إلا ما ينشأ بسبب الزلازل والصواعق أو الحرب أو الثورة…
ب – استبعاد الخطر من التأمين:
إن استبعاد بعض الأخطار من التأمين إما أن يكون بنص القانون أو اتفاقاً.
وبعبارة أخرى فان هنالك بعض الأخطار التي تستثنى من التأمين ولا يجوز التأمين عليها بصورة مطلقة، وأخطار أخرى
مستثناة من التأمين ولكن يجوز التأمين عليها مقابل بدل إضافي.
أولاً – الاستبعاد القانوني للخطر:
استبعد المشرع بعض الأخطار من التأمين، بقواعد آمرة، إما لأسباب أخلاقية كما هي الحال
بالنسبة للخطأ المقصود، أو لأسباب فنية كما هي الحال بالنسبة لأخطار الحروب.
واذا كان المشرع السوري قد نص صراحة على استبعاد الخطأ المقصود من التأمين وذلك بنصوص أحكام القأنون المدني فيما يتعمق بالتأمين على الحياة والتأمين من الحريق،
وعد هذه النصوص من النظام العام لا يجوز مخالفتها . فأنه لم ينهج النهج نفسه بالنسبة لأخطار الحرب فيما يتعلق بالتأمين البري .
أما في التأمين البحري فقد استبعد المشرع الأخطار الحربية وما يماثلها من التأمين إلا إذا اتفق على خلاف ذلك فيمكن أن تكون مضمونة.
وبذلك فهي مخاطر مستبعدة بشكل نسبي وبالتالي يمكن الاتفاق على تغطيتها مقابل بدل إضافي.
ويلحق بخطر الحرب سائر الأعمال العدائية والثأرية والحرب الأهلية والعصيان والثورات الشعبية وأعمال التوقيف والحجز من أية دولة أكانت صديقة أم عدوة معترفاً بها أم غير معترف بها.
ثانياً – الاستبعاد الاتفاقي لمخطر:
المبدأ – إذا كان المشرع قد تدخل في استبعاد بعض الأخطار من التأمين لأسباب فنية أوأخلاقية.
فأنه يحق لطرفي العقد، بتحديدهم لمحل عقد التأمين. أن يستبعدا من التأمين أخطاراً يتفق عليها.
إلا أن هذا الاستبعاد يجب أن يكون محدداً تحديداً دقيقاً. وذلك لكي يتمكن المؤمن من أن يعرف على وجو التدقيق الحالات التي يستطيع فيها الرجوع على شركة التأمين.
والتحديد الدقيق للأخطار المستبعدة يقتضي ذكر هذه الأخطار بوضوح. وبشكل يرفع اللبس والغموض.
ولا يكون استبعاد الخطر واضحاً إلا إذا كان محل شرط خاص في وثيقة التأمين. أو فيما يقوم مقامها وهي مذكرة التغطية. أو فيما يكلمها وهو ملحق الوثيقة.
والتحديد الذي لا يكون محل شرط خاص لا يعتد به، فلا يجوز أن يستنتج التحديد بالظن أو يفترض.
مثال ذلك ما جاء في عقد تأمين المركبات ضد المسؤولية المدنية أو الأضرار المادية للمركبة المؤمنة، الذي اعتمدته المؤسسة العامة السورية للتأمين، في عقد نموذجي مطبوع،
وفي المادة الرابعة منه، التي حددت الأخطار المستثناة من التأمين بشكل واضح:
” لا ينتج هذا العقد مفعوله وبالتالي تعد الحالات المحددة فيما يلي غير داخلة في نطاق التأمين أصلاً ولا يحق للمتعاقد أو لأ شخص أن يطالب المؤسسة بأ تعوض كان:
1 – إذا كان سائق المركبة المؤمن عليها لا يحمل وقت وقوع الحادث إجازة سوق قأنونية صادرة عن السلطات المختصة وتنطبق على نوع المركبة المؤمن عليها وجية استعمالها..
5 – إذا كان سائق المركبة المؤمن عليها وقت وقوع الحادث في حالة سكر أو تحت تأثيرالمخدرات…”
نلاحظ أن هذا الاستثناء من التأمين قد جاء واضحاً ومحدداً ولا يعتريه أي إبهام أو غموض أو
لبس وبالتالي منتج لآثاره. وبذلك نرى أن، وجوب أن يكون الاستثناء واضحاً هو شرط شكلي، أما وجوب أن يكون محدداً فيو شرط موضوعي.
الاستثناء : إذا كان المشرع قد سمح لطرفي العقد استبعاد أخطار من التأمين وفقاً لمبدأ حرية الإرادة، فأنه تدخل في بعض الشروط التي قد ترد في العقد وعدَّها باطلة لمخالفتها للنظام العام.
ذلك لأن هذه الشروط تهدف إلى إسقاط حق المؤمن، أو الانتقاص منه، أو كحد أدنى تقييد حق المؤمن في الالتجاء إلى القضاء كما هي الحال في شرط التحكيم.
فقد نصت المادة 716 من القأنون المدني على أنه يقع باطلاً ما يرد في عقد التأمين من الشروط الاتية:
1 – الشرط الذي يقضي بسقوط الحق بالتأمين بسبب مخالفة القوانين والأنظمة، إلا إذا انطوت ” هذه المخالفة على جناية أو جنحة قصدية.
2 – الشرط الذ يقضي بسقوط حق المؤمن له بسبب تأخره في إعلان الحادث المؤمن منه إلى السلطات أو في تقديم المستندات إذا تبين من الظروف أن التأخر كان لعذر مقبول.
3 – كل شرط مطبوع لم يبرز بشكل ظاهر وكان متعلقاً بحالة من الأحوال التي تؤد إلى البطلان أو السقوط.
4 – شرط التحكيم إذا ورد في الوثيقة بين شروطها العامة المطبوعة لا في صورة اتفاق خاص منفصل عن الشروط العامة.
5 – كل شرط تعسفي آخر يتبين أنه لم يكن لمخالفته أثر في وقوع الحادث المؤمن منه. “.
نستنتج من هذا النص أن المشرع قد تدخل حماية للمؤمن من إسقاط أو انتقاص أو تقييد حقوقه بحكم قوة شركة التأمين فعدَّ هذه الشروط باطلة.
ويمكن تقسيم هذه الشروط إلى قسمين:
الأول – شروط أبطلها المشرع لاعتبارات شكلية وهي الشرط المطبوع المتعلق بحال من الأحوال التي قد تؤد إلى البطلان أو السقوط إذا لم يبرز هذا الشرط بشكل ظاهر.
وشرط التحكيم الوارد بين الشروط العامة المطبوعة وأوجب أن يكون محل اتفاق خاص منفصل عن الشروط العامة. سواء أكان مكتوباً أم مطبوعاً.
الثاني – شروط أبطلها المشرع لاعتبارات موضوعية، ترجع بوجع عام إلى التعسف، وهي:
الشرط الذ يقضي بسقوط حق المؤمن بسب تأخره في إعلان الحادث المؤمن إلى السلطات أو في تقديم المستندات، إذا تبين من الظروف أن التأخر كان لعذر مقبول.
وكذلك الأمر بالنسبة للشرط القاضي بسقوط الحق في التأمين بسبب مخالفة القوانين واللوائح،
ذلك لأن هذا الشرط يعد استبعاداً للخطر واستثناءً غير محدد من التأمين فلا يعتد به. فاذا ذكرت شركة التأمين هذا الشرط، كان لفظ السقوط غير دقيق.
إذ الصحيح أن شركة التأمين إنما تشترط عدم تأمينها للعمل الذي يأتيه المؤمن مخالفاً للقوانين واللوائح،
بحيث لو أتى المؤمن مثل هذا العمل فلا يكون له الحق في التأمين أصلاً، لا أن يكون له حق فيسقط. فالشرط يتعلق بنطاق التأمين، لا بسقوط الحق في التأمين.
وهو بهذا الوصف يكونو باطلاً، لأنه استثناء غير محدد كما ذكرنا. فاذا ذكرت شركة التأمين في وثيقة التأمين على وجه التحديد المخالفة القانونية التي يستثنيها من نطاق التأمين، كان الاستثناء صحيحاً، وخرجت هذه المخالفة من نطاق التأمين، واذا أتاها المؤمن لم يكن له حق الرجوع على شركة التأمين.
كما عد المشرع باطلاً كل شرط تعسفي آخر يتبين أنه لم يكن لمخالفته أثر في وقوع الحادث المؤمن.
ويعود لقاضي الموضوع تقدير ما إذا كان لمخالفة الشرط أثر في وقوع الحادث المؤمن، فيكون الشرط صحيحاً، أو ليس للمخالفة أثر، فيكون الشرط تعسفياً، ويقع باطلاً فلا يعتد به.
مثال ذلك: أن الشرط يعد تعسفاً إذا كان المؤمن حسن النية في إخلاله بالتزامه ، ولم يترتب على هذا الإخلال ضرر للمؤمن.
كذلك يكون تعسفياً الشرط القاضي بوجوب تبليغ وقوع الحادث في مدة محددة من وقت وقوعه والا سقط حق المؤمن،
إذ أن هذا الشرط يوجب الإخطار بوقوع الحادث في هذه المدة المحددة حتى لو لم يعلم بو المؤمن، ومن هنا جاء التعسف.
وبذلك ومن خلال التعريف بالخطر، وتحديد شروطو القأنونية والفنية وبيان أقسامه وأنواعه، والتعرض لطريقة تحديد الخطر المؤمن، نكون قد استعرضنا المحل الرئيس لعقد التأمين، ألا وهو الخطر،
وسنحاول فيما يلي استعراض البدل، وأداء المؤمن، اللذين يشكلان مع الخطر محل عقد التأمين.